تثير خطط إسرائيل للبقاء في جنوب لبنان بعد فترة ال60 يوماً المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، المخاوف من احتمال تجدد الحرب، التي لم تنته من وجهة النظر الإسرائيلية، بينما يسعى لبنان لتطوير الهدنة الهشة التي بدأت منذ ذلك التاريخ إلى وقف دائم لإطلاق النار، وبالتالي إنهاء الحرب بصورة كاملة.
الفرق بين الموقفين اللبناني والإسرائيلي، هو أن لبنان يرى أن تطبيق القرار الأممي 1701 عبر التزام الطرفين بتنفيذه كاملاً، بما في ذلك انسحاب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، وبسط سلطة الدولة وحدها في المناطق الواقعة جنوب الليطاني، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق الحدودية التي توغل فيها. ويراهن لبنان في ذلك على المجتمع الدولي ولجنة الإشراف والمراقبة الخماسية بقيادة الولايات المتحدة لتنفيذ الاتفاق. وفي المقابل، تجاهر إسرائيل بأنها لم توافق أصلاً على إنهاء الحرب، وأن موافقتها على وقف إطلاق النار التي جاءت تحت ضغوط خارجية وداخلية، يمكن أن تتبدل في أي لحظة وفقاً لمصالحها.
وبالتالي فقد عملت على إدامة خروقاتها اليومية للاتفاق، وفرض مفهومها لما تسميه «حرية التحرك»، المرفوض لبنانياً، كأمر واقع يبيح لها استباحة السيادة اللبنانية، من دون الرجوع إلى اللجنة الخماسية. بل استغلت الاتفاق للتوغل في مناطق لبنانية لم تصل إليها أثناء الحرب، وواصلت سياسة تفجير القرى والاغتيالات ومنع النازحين اللبنانيين من العودة إلى بيوتهم، وهي سياسة متعمدة ترتبط بإمكانية استئناف الحرب، وإرضاء جبهتها الداخلية التي لا تزال ترفض عودة مهجري المستوطنات لأسباب فنية وأمنية، وبالتالي فهي ستبلّغ الولايات المتحدة بعدم انسحابها من الأراضي اللبنانية ضمن المهلة المحددة، وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية.
من الواضح، أن هذا الرفض يستند إلى أمرين، الأول هو الفشل أصلاً في تحقيق أهداف الحرب، سواء في إعادة المستوطنين إلى الشمال، أو في تدمير قدرات «حزب الله» بما يتيح لإسرائيل إعلان «النصر المطلق» الذي لطالما تحدث عنه نتنياهو، وبالتالي فهي تريد استكمال هذه الأهداف. والثاني، أنها تريد المماطلة بانتظار عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ما سيمنحها المزيد من الحرية في متابعة الحرب من دون قيود. لكن في الحالتين، لا بد من الأخذ في الاعتبار أن موافقتها على وقف إطلاق النار لم تكن فقط بسبب الضغوط الخارجية والداخلية، وإنما بسبب عجزها عن التقدم والخسائر الباهظة التي تتكبدها، ولأن إسرائيل بكاملها أصبحت عملياً في مرمى الصواريخ التي تطلق من لبنان. ولا يبدو أن إسرائيل ستكون مطلقة اليدين، إن عادت إلى الحرب، فهناك أيضاً «حزب الله» الذي بدأ بدوره يتحدث عن استعادة قدراته، ويلوح بأن التزامه بعدم الرد طوال الفترة السابقة، كان لإعطاء فرصة للدولة اللبنانية لإثبات قدرتها على تحقيق الانسحاب الإسرائيلي، لكنه بعد فترة ال60 يوماً سيكون في حِلّ من هذا الالتزام.
0 تعليق