الخوف من حرب عالمية ثالثة بات يؤرّق العالم، والمؤشرات على ذلك باتت واضحة وجلية من خلال اشتداد حدة الصراعات وتوسع الحروب، وانسداد أفق الحوار الإيجابي بين الدول العظمى، وتكريس منطق القوة في العلاقات الدولية، وعدم الالتزام بالمواثيق والقرارات الأممية، وإهمال دور الأمم المتحدة ومؤسساتها، والتهديدات المتواصلة باللجوء إلى الخيار النووي.
الخوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة مشروع نتيجة هذه العوامل التي تتجمع دفعة واحدة، يضاف إليها أن معظم الدول الكبرى زادت إنفاقها العسكري بنسب قياسية. ووفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم بلغ 2.5 تريليون دولار عام 2023، بزيادة 6.8 في المئة عن العام الذي قبله، وتصدرت الولايات المتحدة قائمة أكبر المنفقين العشرة، تليها الصين، إذ أنفقت الأولى 916 مليار دولار، والثانية 299 مليار دولار.
إن هذا الإنفاق العسكري غير المسبوق هو استجابة مباشرة للتدهور العالمي في السلام والأمن، ومخاطرة بحدوث دوامة من الفعل ورد الفعل في المشهد الجيوسياسي المتفجر بشكل متزايد، كما يجعل من البيئة الأمنية العالمية شديدة الخطورة وقابلة للانفجار في أية لحظة، ووعد بمزيد من الدمار والضحايا، وربما الكوارث غير المسبوقة التي قد تنهي الحياة على الأرض في حال استخدام السلاح النووي، إذ إن التقديرات تشير إلى أن روسيا لديها 6.500 رأس نووي، في حين تمتلك الولايات المتحدة 6185 رأساً نووياً، وتمتلك كل من موسكو وواشنطن 1600 رأس نووي استراتيجي نشط. فماذا لو تم اللجوء إلى السلاح النووي في لحظة جنون، أو نتيجة حادث عارض خارج عن السيطرة في مثل هذه الأجواء المشحونة عالمياً بكل الأسباب التي تؤدي إلى انفجار الصراع، واتساع خطوط المواجهة في جميع أنحاء العالم.
وإذا كانت الحروب، وزيادة الإنفاق العسكري تهددان العالم بحرب عالمية ثالثة، فإن انهيار المناخ العالمي بات يشكل تهديداً وجودياً لكوكبنا قد يؤدي بدوره إلى كوارث لا حصر لها مع ارتفاع درجة حرارة الأرض كل عام، وفشل الجهود الدولية في وضع حد للاحتباس الحراري نتيجة جشع شركات الوقود الأحفوري بحثاً عن جني الأرباح، وعدم التزام الدول الغنية الصناعية المسؤولة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالمقررات التي صدرت عن الاجتماعات البيئية التي عقدت على مدار السنوات الماضية للحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى درجة ونصف الدرجة، كما أنها فشلت في الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول النامية الأكثر تضرراً من الانبعاثات بجمع نحو 300 مليار دولار.
لم تعد المخاوف البيئية الناجمة عن تطرف المناخ مثل العواصف والفيضانات والحرائق والأعاصير مجردة من الأرقام، بل باتت حقيقة واقعة تحدث يومياً في مختلف أنحاء العالم تتحدث عنها الأرقام، إذ تشير بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أنه خلال خمسة عقود بين العام 1970 وحتى العام 2021، وقعت حوالي 12 ألف كارثة «ناجمة عن ظواهر متطرفة مرتبطة بالطقس والمناخ»، وتسبّبت هذه الكوارث بوفاة أكثر من مليوني شخص، معظمهم في دول نامية، وخسائر اقتصادية ناهزت ال 43 تريليون دولار.
وهكذا، فإن العالم في مواجهة خطرين وجوديين هما حرب كبرى جديدة، واحتباس حراري يدمر الأرض.
0 تعليق