في وقت تقف فيه منطقة الشرق الأوسط على مفترق طرق، يستمر التطرف الإسرائيلي في اللعب على جميع الأوتار ويقلب سيناريوهاته الخطرة. وبالتزامن مع استمرار العدوان على غزة والضفة الغربية، والتنصل من الاستحقاقات المطلوبة، لإنهاء هذا التصعيد، وتهدئة التوترات المتسارعة، ها هي حسابات رسمية تتبنى خرائط لما يسمى «إسرائيل التاريخية»، تضم أجزاء من فلسطين والأردن وسوريا ولبنان.
مثل هذا التصرف الإسرائيلي ليس بعيداً عن السياق الذي انزلقت فيه المنطقة منذ 15 شهراً، ولا هدف له غير تأجيج الصراعات، وتهديد أكبر للأمن والسلم الإقليميين. كما يجيب عن بعض الأسئلة العالقة بشأن سياسات تل أبيب، بدءاً من أهداف جرائمها غير المسبوقة في غزة، التي تجاوزت كل ضوابط الأخلاق والأعراف والقوانين، وصولاً إلى تهربها المستمر من إبرام هدنة، ولو مؤقتة، تعيد من تبقى من رهائن أحياء، بالتزامن مع قضم الضفة الغربية وتفخيخها بالمستوطنات، حتى لم يبق للفلسطينيين أي مجال لإقامة دولتهم المنشودة، أو استعادة بعض من حقوقهم المشروعة. كما أن ما جرى ويجري في لبنان وسوريا، سواء عبر المراوغة بشأن الالتزام ببنود وقف إطلاق النار، أو بالاعتداءات المتكررة على المنشآت الحيوية السورية، وخصوصاً العسكرية منها، بحجة أنها تشكل تهديداً، بينما الغاية القضاء على كل عناصر القوة القائمة والمحتملة، حتى لا يقف شيء في وجه الخطط المضمرة لقلب المعادلات في الشرق الأوسط، وإعادة رسم خرائطه، بما يتساوق مع الأطماع الإسرائيلية المعلنة.
سياسات التحريض، التي ينتهجها المتطرفون في تل أبيب، باتت تشكل خطراً استراتيجياً على المنطقة، لما تضمره من نوايا خبيثة ومواقف عنصرية، وما تضمنته الخرائط المستفزة الأخيرة، تختزل ما كان يروج له وزراء متطرفون مثل وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش وأتباعهما في الأشهر الماضية، من أفكار توسعية ورغبة حاقدة في إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتكرار الأمر نفسه في الضفة الغربية، إن فشلت خطط التهجير القسري أو الطوعي، بل إن هذه الأطماع المتطرفة طالت أراضي سوريا ولبنان، من خلال الحديث المتكرر عن مشاريع لتوسيع الاستيطان في تلك المناطق، وربما في هذا الإطار تنفضح الأهداف الكامنة وراء احتلال أراض سورية خارج هضبة الجولان، وكذلك التلكؤ في الالتزام بالهدنة الهشة في جنوب لبنان، بعد تأكيدات أن جيش الاحتلال لا يعتزم الالتزام بمضامين اتفاق الستين يوماً، ويدرس تمديد بقائه في بلدات عدة، وهو ما قد يعيد دوامة التصعيد إلى المربع الأول، وتندلع حرب أخرى.
ربما تنتهي سريعاً الزوبعة التي أحدثتها الخرائط المتطرفة، ولكنها ستعاود الظهور لاحقاً، عندما تتهيأ لها الظروف، لأنها تعبّر عن مشروع يجري توارثه والتحشيد له باستخدام كل الوسائل الممكنة، وربما ارتأى هذا الجيل المتطرف استخدام كل أساليب القوة الغاشمة وانتهاك كل المواثيق، وما جرى ويجري في غزة خير شاهد على هذا النهج المدمر، وربما يكون الآتي أسوأ، إذا لم يتم لجم هذه السياسة المتطرفة التي لن تخدم أحداً، وستحرق من يشعلها قبل أن تلحق الأذى بالآخرين.
[email protected]
0 تعليق