إنجاز بايدن الأهم - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

لم تكد تنتهي فترة رئاسة جو بايدن حتى أكملت إدارته ما أتصور أنه أهم إنجازاتها في السياسة الأمريكية الخارجية، من منظور الإدارة الديمقراطية طبعاً. ففي الساعات الأخيرة من عام 2024 توقف ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط الأنابيب الذي يمر من أراضي أوكرانيا بعدما ألغت الحكومة الأوكرانية اتفاقية المرور لمدة خمس سنوات التي انتهت بنهاية العام.
حتى العام السابق على بداية حرب أوكرانيا كانت الدول الأوروبية تحصل على نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي تقريباً من روسيا، والآن لم يعد هناك غير خط أنابيب واحد متبقٍّ هو «ترك ستريم» عبر البحر الأسود الذي يزود تركيا والمجر وصربيا بالغاز الروسي. أما الخط الأهم والأكبر «نورد ستريم» الذي يمر عبر بحر البلطيق وكان يمد ألمانيا وغيرها بالغاز الروسي فقد تم تخريبه تماماً بتفجير لم يعرف من قام به، وإن كانت هناك اتهامات لبولندا وأوكرانيا وربما أمريكا.
طبعاً، المستفيد الأكبر من وقف أوروبا استيراد الغاز والنفط من روسيا، بقرارات الحظر ونتيجة العقوبات المفروضة على موسكو، هو الولايات المتحدة وشركات الطاقة الكبرى فيها. وهكذا ضربت إدارة بايدن عصفورين بحجر: حرمان روسيا من عائدات صادراتها من النفط والغاز إلى أوروبا، وزيادة أرباح الشركات الأمريكية من تصدير النفط والغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. ويكفي فقط أن نشير إلى أن أكبر خمس شركات طاقة أمريكية زادت أرباحها عام 2023 بعشرات مليارات الدولارات تحديداً من صادرات النفط والغاز إلى الدول الأوروبية.
بدأت إدارة بايدن رئاستها بوعود طموحة فيما يتعلق بمكافحة التغيرات المناخية وسنّت القوانين التي توفر دعماً بالمليارات لمشروعات الطاقة المتجددة، وفرضت قيوداً على الوقود الأحفوري (نفط وغاز وفحم). لكن من أهم إنجازاتها ما هو عكس ذلك التوجه تماماً تقريباً.
فالولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط في العالم بما يزيد عن ثلاثة عشر مليون برميل يومياً، تصدّر نحو ثلثه للخارج إلى دول أوروبا وآسيا. وزاد إنتاج الغاز أيضاً في السنوات الأربع الماضية بشكل كبير وأيضاً صادرات الغاز الطبيعي المسال خاصة لبريطانيا ودول أوروبا.
وهكذا فالإدارة التي بدأت بتعهد زيادة إنتاج الطاقة من مصادر مستدامة انتهت ولايتها بزيادة إنتاج الوقود الأحفوري بشكل غير مسبوق في تاريخ أمريكا. وإذا كان هدف إدارة بايدن الاستراتيجي حتى قبل فوزه بالانتخابات عام 2020 هو مواجهة صعود روسيا والصين فقد انتهت ولايته وروسيا غارقة في حرب طويلة الأمد بأوكرانيا، واقتصادها وإن كان تمكن من الصمود في وجه العقوبات حتى الآن إلا أنه يواجه تحديات هائلة.
إلا أن هناك إنجازاً جانبياً لإدارة بايدن، وهو أنها دفعت بالتقارب بين موسكو وبكين إلى حد كبير، بل وساعدت أيضاً على بلورة تجمع من القوى الصاعدة في العالم التي تتحدى تفرّد الولايات المتحدة بقيادة النظام العالمي. على سبيل المثال توسع تجمع دول بريكس، ورغم تأكيد دول بريكس أنها تستهدف أساساً التعاون فيما بينها وليست مناوئة لأي تجمعات أخرى كمجموعة السبع أو غيرها، إلا أنها بلا شك تمثل خطوة على طريق تغيير أحادية القطبية الأمريكية في العالم.
كل تلك النتائج الجانبية تأتي على هامش الإنجاز الأهم للإدارة الأمريكية وهو وضع أمريكا على قمة سوق الطاقة من الوقود الأحفوري في السنوات الأربع الأخيرة. صحيح أن منظمة أوبك، والآن (تحالف أوبك+)، تبقى الطرف الأكبر في سوق الطاقة العالمي لكن حصتها من السوق تتراجع لصالح المنتجين الجدد وعلى رأسهم أمريكا.
هناك أهمية أخرى لهذا الإنجاز الأمريكي وهو أن الإدارة الجديدة للرئيس الجمهوري دونالد ترمب ستحافظ عليه وتطوره. ربما تعمد إدارة ترامب إلى إلغاء الكثير من سياسات إدارة بايدن، وفي مقدمتها برامج دعم التحول في مجال الطاقة نحو مصادر متجددة. لكنها ستجعل من أولوياتها زيادة إنتاج النفط والغاز بإلغاء كافة القيود التي فرضتها إدارة بايدن. وهدد ترامب بالفعل أوروبا بأنها إذا لم تشتر المزيد من النفط والغاز فستواجه بفرض رسوم وتعرفة جمركية إضافية على صادراتها للولايات المتحدة.
تريد إدارة ترامب زيادة إنتاج النفط بنحو أربعة ملايين برميل يومياً في السنوات القليلة المقبلة. ورغم أن تلك زيادة كبيرة مشكوك في إمكانية تحقيقها، خاصة مع وضع السوق وخطط شركات الطاقة الكبرى التي لا تخضع لسياسات الإدارة وإنما تعمل لصالح مساهميها، فإن استمرار زيادة الإنتاج وارد ولو بقدر أقل مما وعد به ترامب.
ربما لا تكون إدارة بايدن نجحت تماماً في التصدي لصعود روسيا والصين، حتى وإن كانت أضرّت بمصالحهما بشكل واضح. لكنها في سياق ذلك حققت إنجازاً مهماً في مجال وضع أمريكا في سوق النفط والغاز. المفارقة أن ذلك الإنجاز الأهم جاء على عكس ما روجت له تلك الإدارة بأنها ستمثل الريادة في مكافحة التغيرات المناخية والتحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق