مع اقتراب عودة ترامب إلى البيت الأبيض، واقتراب الحرب الأوكرانية من دخول عامها الرابع، باتت الحاجة إلى تحقيق السلام في أوكرانيا ملحّة، أكثر من أي وقت مضى، لكن الحديث عن السلام يقتضي الجنوح نحو الواقعية السياسية لحلحلة أزمة، ربما طالت أكثر مما ينبغي، وباتت تهدد المجتمع الدولي بأسره.
الأوساط المنخرطة في الصراع الأوكراني، تدرك أنه لا مفر، في نهاية المطاف، من إيجاد تسوية سياسية لحل هذا الصراع الذي بات يُثقل كاهل الأوروبيين، بشكل خاص، الذين، علاوة على استنزاف قدراتهم ومواردهم، باتوا مقتنعين بأن هزيمة روسيا غير ممكنة، وأنهم لا يستطيعون مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا إلى ما لا نهاية، بمعزل عن الولايات المتحدة. وبالتالي فإن الخيار الصحيح هو العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن هذه العودة لن تكون سهلة من دون الجنوح نحو الواقعية في التعامل مع الخيارات المتاحة التي لابد أن تعالج أسباب اندلاع الأزمة من جذورها.
وبعيداً عن الانقسامات الأوروبية بشأن الأزمة الأوكرانية، بشأن استمرار تقديم المساعدات والدعم من عدمه، فإن أكثر ما يخشاه الأوروبيون أن يصحوا على خطة أمريكية جاهزة لتسوية الأزمة، يضعها ترامب الذي لطالما جاهر بأنه قادر على حل الأزمة خلال 24 ساعة، وأن يضطروا بالتالي إلى التعامل معها كأمر واقع. ولم يعد سراً أن الاتحاد الأوروبي بدأ في الأسابيع الأخيرة محاولات تمهيدية حثيثة لمفاوضات تنهي الأزمة الأوكرانية، ويعول في هذا الاتجاه على إدارة ترامب لإقناع روسيا بالعودة للتفاوض. لكن هذا يعني أيضاً أن يتخلى أصحاب الرؤوس الحامية عن الدفع لمواصلة الحرب على أمل تحقيق الانتصار على روسيا، والعودة إلى الواقعية السياسية التي تحدّث عنها الرئيس الفرنسي ماكرون مؤخراً، والتي يجب أن تبدأ من الجانب الأوكراني نفسه. وربما هذا ما دفع زيلينسكي إلى الاعتراف بعدم قدرة قواته على استعادة دونباس وشبه جزيرة القرم بالقوة، وأنه سيطالب بضمانات أوروبية وأمريكية للذهاب إلى المفاوضات. لكن زيلينسكي لم يتخل عن محاولات المراوغة والمساومة، إذ إنه يريد أن يتفاوض أولاً مع الولايات المتحدة، ثم مع الاتحاد الأوروبي، قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الروس، لعله يقنع ترامب بمنح كييف 300 مليار دولار من الأصول الروسية مقابل التزام كييف بشراء أسلحة من الولايات المتحدة، وبالتالي الاستثمار في الاقتصاد الأمريكي.
وفي النهاية، فإن الأمر لا يتعلق بمكان المفاوضات، كما يعتقد زيلينسكي، بقدر ما يتعلق بالاستعداد لإيجاد حلول جذرية للأزمة وأسبابها والوضع على الأرض، كما تطالب به روسيا، وفي مقدمتها أخذ المصالح الروسية في الاعتبار، وإعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس عادلة، وضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف «الناتو»، علاوة على انسحاب القوات الأوكرانية من المناطق المعاد توحيدها مع روسيا، كثمن من أثمان الحرب التي تسبب فيها التعنت الغربي الأوكراني، من وجهة نظر موسكو.
0 تعليق