التواصل الاجتماعي مثل أي إنجاز بشري يمكن أن يحسن الحياة ويسهل العيش ويمكن أن يجلب الكوارث والأزمات ويحول الحياة إلى جحيم، ويتحكم في ذلك أساليب استخدامه ومساحة الوعي التي تضبط سلوكيات مستخدميه، البعض يفقد السيطرة على نفسه وهو يستخدم وسائل التواصل ليفتح أبواب حياته على مصاريعها مانحاً الحق لمن يعرفه ولمن لا يعرفه في الاطلاع على تفاصيلها والتعرف على المسموح وغير المسموح بها، وهو ما يتيح لأصحاب النفوس الضعيفة العبث بها واستغلالها وسيلة للابتزاز والتهديد والتشويه، والبعض الآخر يفكر كثيراً في كل فعل له قبل أن يضغط على زر أي من تطبيقات التواصل حتى لا يندم ويفقد أمنه الشخصي والاجتماعي والاقتصادي وأسراره الخاصة «بكبسة زر».
من حقنا أن نطلع على ما يحدث في العالم الذي نعيشه، ونتعرف على مواقف الآخرين من القضايا العامة، ووسائل التواصل وتطبيقاته أصبحت تتيح لنا الكثير من المعلومات والأخبار بعد أن أصبحت الهواتف النقالة أكثر من مجرد هواتف للاتصال بين الناس، وصارت هي مفتاح التواصل الأول والأسهل والأسرع وتبادل المعلومات والتصفح بما عليها من تطبيقات وصفحات عامة وخاصة، بل أصبحنا نتابع أيضاً الأحداث وقت وقوعها ولا ننتظر نشرة أخبار ولا شاشات تنقلها إلينا، كما أتاحت لنا التسوق ونحن جالسون في منازلنا، وإدارة حساباتنا البنكية من دون انتقال إلى البنوك، بل وعقد الصفقات والشراكات وإدارة أعمالنا التجارية وغير التجارية من دون أي جهد حركي، وأحياناً ممارسة مهامنا الوظيفية من منازلنا، وهو ما جعل حياتنا سهلة وميسرة.
على الجانب الآخر قضت وسائل التواصل على خصوصيتنا، وحولتنا إلى كائنات حياتها مكشوفة أمام بعضنا البعض، وهو ما يتم بإرادتنا ومن دون أن يجبرنا عليه أحد، وضعنا صورنا الخاصة على صفحاتنا ودعونا الآخرين للاطلاع عليها وسعدنا بتعليقات أو إعجاب بعضهم بها، ونشرنا بياناتنا الشخصية والخاصة جداً لتكون متاحة أمام من يحبنا ومن يكرهنا، وأبدينا آراءنا في أمور لا تخصنا، وتحولنا أحياناً إلى قطيع نفتي في ما لا يخصنا تقليداً لغيرنا، وتبنينا مواقف لا تعبر عنا لمجرد المشاركة، وانجرف البعض وراء شياطين التواصل مساهمين في خلق فتن سياسية واجتماعية بين دول وشعوب وبين فئات اجتماعية وأطياف دينية، وهو ما جعل من أشخاص صناع فتنة من دون وعي ولا فهم لأبعاد وعواقب ما يكتبونه أو يعلقون عليه أو يبدون إعجابهم به..
البعض فقد عقله وسلم نفسه لكتائب إلكترونية تعبث بفكره وتزرع إيديولوجيات غريبة فيه وتعيد تشكيل شخصيته ووعيه وهو غافل عما يفعلون به وبأهله ومحبيه ووطنه. التواصل الاجتماعي يبدو سهلاً زاهياً فاتحاً ذراعيه للجميع، لكنه يخفي فخاً ومطبات يقع فيها بعض الجهلة وبعض قليلي الخبرة وبعض المبهورين وقطيع المنساقين خلف أي موجة عالية يستسلمون لها بلا تفكير، ويدفعون الثمن عاجلاً أم آجلاً.
0 تعليق