ما هي زبدة الدروس المستخلصة من كل ما جرى حتى الآن عربيّاً وعالميّاً؟
دعنا من التفاصيل، إذا كنت تريد البحت الصِّرف المحض الخالص، فإن على العربي أن يبحث عن نهج جديد، بمنهاج جديد، في فكر جديد وثقافة جديدة، أي البحث عن نموذج فكري مختلف عمّا كان.
يجب الاعتراف باللعبة الثقافيّة الدوليّة التي جرّت العالم العربي وغيره إلى الوقوع في فخاخ شتّى. ما حدث من تحول جيوسياسي وجيوستراتيجي في الغرب، انطلاقاً من الإمبراطورية تحديداً، لم يدرك العرب والنخب الفكرية والثقافية، ولا حتى الأوروبيون، أنه كان قشرة موز ثقافية زلّت بها أقدام بلدان لا تحصى. بُعيْد الحرب العالمية الأولى كان الناس يضمّدون جراحهم ويحاولون استعادة أنفاسهم، في غمرات الأذهان المرهقة والأجساد المنهكة، لعبت الحرب الباردة بأدمغة الجغرافيا السياسية ودفعتهم إلى فكرة جهنمية، جال في خاطرهم: يجب أن نجعل الجيوسياسي الجيوستراتيجي يحلّ محلّ الفكر والفلسفة، يعني أن يطيح برجنسكي وكيسنجر الفلاسفةَ من قبل أفلاطون إلى ما بعد هيجل. من هم الفلاسفة الأمريكان الذين كان لهم تأثير في القارّة الجديدة أو العالم؟ في فرنسا، بلد فولتير وروسو وسارتر، صار برنار هنري ليفي هو حامل لواء الفلسفة، يا للخيبة. جذور هذا الانقلاب الثقافي تعود إلى المفكر الجيوسياسي البريطاني هالفورد ماكندر، صاحب نظرية «قلب اليابسة»، ومنها أخذت الإمبراطورية قبيل الحرب العالمية الأولى نظرية «الثقافة الاستراتيجية» التي من محركاتها كتاب «فن الحرب» للجنرال الصيني صن تزو.
معاذ الله أن يكون القصد أن ذلك الانحراف الثقافي أثر في العالم العربي، فديارنا أفَلت فيها شموس المعارف الفلسفية بعد ابن رشد، قبل ثمانية قرون ونيف، لكن المصادفة المؤسفة هي أن العقل العربي طوال العصر الحديث، لم يفكر في وضع أسس لفكر أو فلسفة ثقافية ومواصلة بنائها. الغريب أنه لم يدرك لامعقولية أن تكون الهوية خلواً من دعائم الفلسفة والعلوم والفنون الجادة. لم يسأل: بأيّ أوراق لها وزنها ندخل ملعب الزحام الحضاري؟ ثلاثة أرباع البلدان العربية لا تملك هذه الأوراق. هذه قضية فكرية ثقافية، وهذا أكبر دليل على أن استيلاء الجغرافيا السياسية على الفكر، أي الثقافة، تتعذر فيه القدرة على التنافس الجيوسياسي.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: لكي يكون للعالم العربي نظام عربي مشترك، لا بدّ من ثقافة تنموية شاملة حياتية مشتركة.
[email protected]
0 تعليق