العديد من الدول الأوروبية ترى أن روسيا تشكل خطراً على أمنها، وخصوصاً دول مثل فنلندا وبريطانيا وإيطاليا ودول بحر البلطيق وألمانيا وفرنسا، وتدعو إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز القوة العسكرية للدفاع عن القارة واستمرار دعم أوكرانيا، رغم أن هذه الدول أعضاء في حلف الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن الخوف مما قد تقدم عليه الإدارة الأمريكية الجديدة من تقليص دورها في الحلف، واحتمال التوقف عن دعم أوكرانيا يزيد من خوفها، ويجعلها ترفع الصوت عالياً مطالبة بموقف أوروبي أكثر حزماً في مواجهة روسيا.
رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو الذي استضاف الشهر الماضي قمة حول الأمن والهجرة بمشاركة مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ورئيس وزراء السويد أولف كريسترسون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، اعتبر أن روسيا «تشكل تهديداً دائماً وخطراً» على الاتحاد الأوروبي، ودعا إلى تعزيز القوة العسكرية للدفاع عن أوروبا «بكل الوسائل الممكنة»، ووافقته كالاس على رأيه، فيما قالت ميلوني: «علينا أن نفهم أن التهديد أكبر بكثير مما نتصور، إذ يمكن لموسكو استخدام الهجرة غير المشروعة وقضايا أخرى لزعزعة أمن التكتل الأوروبي، وأن التهديد لن يتوقف بمجرد انتهاء الصراع في أوكرانيا»، ودعت الاتحاد الأوروبي للاستعداد لذلك.
وإذا كانت إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب سوف تسعى إلى زيادة الضغوط على الحلفاء
الأوروبيين من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5 في المئة بميزانية الحلف كي تواصل توفير الحماية العسكرية، بدلاً من 2 في المئة، فإن العديد من الدول غير مستعدة لتلبية الطلب الأمريكي، ما يولّد أزمة حقيقية في العلاقات بين ضفتي الأطلسي، ويجعل أوروبا بلا غطاء عسكري أمريكي.
رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أطلق هو الآخر تحذيرات قوية، إذ أكد أن «الحرب لم تعد مفهوماً من الماضي، وللمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تدخل القارة العجوز حقبة ما قبل الحرب».
لكن هل هذه المخاوف الأوروبية حقيقية؟ وهل تشكل روسيا خطراً على أمن القارة؟ في الواقع لم يصدر عن روسيا أي تهديد لأي دولة أوروبية مجاورة أو بعيدة، ولكن الحرب الأوكرانية واصطفاف معظم الدول الأوروبية إلى جانب أوكرانيا ودعمها عسكرياً ومالياً جعل العلاقات مع روسيا تواجه أزمات لم تصل إلى حد التهديد أو الخطر، بل إن الدول الأوروبية هي التي عمدت إلى تصعيد الموقف من خلال السعي إلى هزيمة روسيا عسكرياً، وبعضها سعى إلى دخول حلف الأطلسي كطرف مباشر في هذه الحرب.
وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مراراً أن بلاده لا تريد حرباً في أوروبا، وأن بلاده ترفض النهج الغربي الآحادي إزاء الأمن الأوروبي وتجزئته، كما أن الكرملين هو الذي يرى أنه يواجه الخطر من أوروبا نتيجة توسع حلف الأطلسي شرقاً، وليس العكس. وكل ما في الأمر أن روسيا تريد أمناً متوازناً ومتبادلاً.
خلال اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهو الهيئة المركزية لصنع القرار والإدارة في المنظمة، في مالطا يومي 5 و6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، دعا ممثل روسيا الدائم لدى المنظمة ألكسندر لوكشيفيتش الدول الغربية إلى وقف المواجهة وإجراء حوار، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية للجانبين.
لذلك، فالحديث الأوروبي عن الخطر الروسي يجانب الواقع، وهدفه الإبقاء على حالة التوتر في أوروبا من أجل تحقيق أهداف أحزاب سياسية معادية لموسكو من جهة، وإبقاء المظلة العسكرية الأمريكية من جهة ثانية.
0 تعليق