الدور الخليجي في المنظومة العالمية لصناعة القرار - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. صلاح الغول *

تراكمت عدة أحداث منذ نهاية العام المنصرم تومئ إلى تنامي الدور الخليجي في المنظومة العالمية، وترسيخ «لحظة الخليج» في النظام الإقليمي بالشرق الأوسط. ومن أبرز هذه الأحداث التئام القمة الافتتاحية بين قادة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، والدور الخليجي في دعم «سوريا الجديدة» ما بعد الأسد، ودور السعودية «الحاسم» في ملء الفراغ الرئاسي في لبنان بعد سنتين عجفاوين، ودور قطر في التوصل لاتفاق الهدنة في غزة، والمشاركة المتميزة لدولة الإمارات في «دافوس» 2025. وبعد يومٍ واحد من تنصيب الرئيس دونالد ترامب، أعلنت عُمان استعدادها لاستئناف مساعيها الحميدة بين إيران والولايات المتحدة في شأن البرنامج النووي الإيراني.
يعد مجلس التعاون الخليجي واحداً من أكثر الكتل تأثيراً في العالم، حيث يتمتع بموارد وقدرات كبيرة. ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي 2.4 تريليون دولار. ومن منظور جيواستراتيجي، تكتسب دول مجلس التعاون نفوذاً سريعاً على الساحة العالمية. وتمتد أهميتها المتزايدة إلى ما هو أبعد من مواردها الاقتصادية الهائلة ودورها الحاسم كموردة رئيسية للوقود الأحفوري، الذي يشكل ضرورة أساسية لتحقيق استقرار أسواق الطاقة العالمية. وتؤكد هذه الدول على نحو متزايد نفوذها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي. ونتيجة لذلك، برز مجلس التعاون الخليجي كشريك استباقي وموثوق للقوى العالمية الكبرى في معالجة التحديات والأزمات الدولية الكبيرة.
وفي هذا الإطار، جاء انعقاد القمة الافتتاحية الخليجية-الأوروبية في بروكسل في 16 أكتوبر 2024، لتمثل علامة فارقة مهمة بعد عامين من اعتماد الاتحاد الأوروبي لاستراتيجية جديدة تجاه مجلس التعاون. ويسعى القادة الخليجيون والأوروبيون إلى صياغة شراكة جديدة تركز على السلام والازدهار، مع التأكيد على التوافق المتبادل والجهود التعاونية بينهم في معالجة العديد من التحديات العالمية.
وكما أبان تطور الأحداث في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر المنصرم، فإنّ الدور الخليجي (السعودي والقطري والإماراتي والكويتي) محوريٌ في دعم «سوريا الجديدة» ما بعد الأسد، وضمان أنْ تكون دولة طبيعية (لا دينية، ولا طائفية، ولا علمانية متطرفة)، وتأسيس نظام حكم ذي توجه عربي، ومن ثم وصل ما انقطع من الروابط التاريخية والسياسية والثقافية «المتينة» بين بلاد الشام وحاضنتها العربية.
وقد تحدثتُ في مقال الأسبوع الفائت عن دور السعودية «الحاسم» في نجاح الانتخابات الرئاسية في لبنان، في 9 يناير الجاري، بعد أكثر من سنتين من الفراغ الرئاسي. وأشير هنا إلى دور الرياض الحاسم أيضاً في اختيار نواف سلام رئيساً للحكومة اللبنانية الجديدة بعد بضعة أيام من الانتخابات الرئاسية. ولستُ في حاجة أن أضيف إلى ذلك أو أكرره، ولكن سلام، بحق، يتمتع بالكفاءة التي تمكنه في إنقاذ لبنان من أزمته المركبة.
كما أنّ دور قطر في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في 19 يناير، بعد 471 يوماً من الحرب في قطاع غزة، خلّفت أكثر من 155 ألف ضحية وجريح فلسطيني، وما يزيد على 11 ألف مفقود، أقول: يستحق الدور القطري كل الثناء والتقدير. وذهب الدكتور عبد الخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات والخبير بسياسات المنطقة، إلى أنّ النجاح الدبلوماسي في إتمام اتفاق هدنة غزة «له صاحب واحد مؤكد، هو «الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني» رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر». وأضاف الدكتور عبد الخالق، أنّ «فارس الدبلوماسية القطرية يستحق جائزة نوبل للسلام».
وتأتي المشاركة المتميزة لدولة الإمارات في الدورة ال55 لاجتماعات منتدى الاقتصاد العالمي لعام 2025 في دافوس، بالفترة (20-24 يناير الجاري) لتُكمل المشهد الخليجي المؤثر في الساحة العالمية. وتشارك دولة الإمارات بوفد رفيع المستوى، برئاسة سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة دبي للثقافة، يضم أكثر من 100 شخصية من رؤساء الشركات والقطاع الخاص والمسؤولين الحكوميين. ويلتئم منتدى دافوس هذا العام تحت شعار «التعاون من أجل عصر ذكي»، ويؤمه نخبة من القادة والخبراء وصناع القرار حول العالم.
وفي محاولةٍ منها لاستباق أي تهديدٍ لأمن الخليج بُعيد تولي ترامب الرئاسة الأمريكية بسبب الملف النووي الإيراني، أعلنت عُمان استعدادها بذل مساعيها الحميدة من أجل توفير أرضيةٍ خصبةٍ لمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في شأن هذا الملف والقضايا الخلافية الأخرى.
ويستند الدور المتنامي لدول الخليج على المستويين الإقليمي والدولي إلى أنّ النخب السياسية والاقتصادية الجديدة في هذه الدول أصبحت الآن أكثر حزماً ووعياً بالمشهد العالمي المتغير، وإلى شبكة واسعة متنوعة من الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية نسجتها قياداتها الحكيمة مع القوى والكتل الدولية والإقليمية، وإلى استراتيجيات عسكرية جديدة وسياسات خارجية متماسكة تبتغي تحقيق الاستقلال الاستراتيجي عن منافسات وصراعات القوى الكبرى.
والخلاصة، أنّ ما ذاع بين ثلةٍ من الباحثين والخبراء بشأن «اللحظة الخليجية» في المنطقة والعالم يستند إلى أسس واقعية، تتلخص في موارد وقدرات اقتصادية ودفاعية كبيرة، ومبادرات ومواقف حازمة تجاه الأزمات الإقليمية، وشبكة واسعة متنوعة من الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، واستراتيجيات عسكرية وسياسات خارجية متماسكة.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق