حضرت قبل أيام، دونما تخطيط، جلسة سأصفها بالغريبة على عقلي الذي ليس من النوع الهادئ، في تحليل المواضيع، وتفسيرما بين السطور؛ فارتبك وقتها وصار يفسر الأمور ويؤول التفاصيل بمخرجات تناسب ما تعوّده من مجتمع متوازن، منصت ونادر في صفوة حواراته، والعقول التي يجالسها.
الكاتب بكل جنسياته، وتفاصيل ثقافته صاحب أمانة كبرى لأن ينقل المشهد للعامة وللمجتمع بصدق، ويكون واعياً ومدركاً لما قد يحدثه القلم من تغيير جذري، تغيير بوصلة القرارات وصنعها في زمن صارت الكلمة تصل بسرعة الصوت، وأسرع انتشاراً وعبوراً للقارات.
أتفق بشدة مع من تحدث عن أننا نحتاج إلى أن تعود الأقلام التي يحمل أصحابها فكراً وثقافة، وتعود النخبوية، ويكون هناك اهتمام مباشر بتلك الأقلام التي تحمل من الممكنات ما يجعلها أيقونات، ويصنع منها إعلاميين حقيقيين وواجهة للوطن وجسراً للثقافة الدبلوماسية الحقة، لتأصيل دور الإعلام المؤثر، وسؤالي: ما الذي يؤخركم؟ وكيف ترون أنكم على رأس الهرم ولا تعرفون لربما أن الكثير من كتاب الأعمدة، والمقالة مجتهدون بذواتهم، يبحثون ويقرأون ويحاربون المعتقدات أحياناً والآراء المتغيرة حتى يخرجوا بصورة متزنة ومرنة تعكس صورة المجتمع الذي نفخر به كلنا.
حقيقة الأمر: نحن ننتظر كل ما يقال أن يصبح واقعاً وتكون لنا أكاديميات، ومهرجانات، وفعاليات، وحتى تدريب إن لزم الأمر لننتقل إلى مرحلة أكبر وأهم.
لا ينكر أحدنا كم من قلم صحفي في العالم أطاح بعرش، وكم من أقلام أصلحت أوطاناً، وبعضها زيّفت الوقائع وصارت بوابة للمغالطات والتشويه؛ وأطرح سؤالاً آخر بقي في داخلي وتمنيت لو سألته وقتها: هل فعلاً كتاب الرأي العام، أو فكرة «الرأي العام» مقصورة على المشكلات، على المواضيع الحساسة السياسية منها والاقتصادية، أم أن الرأي العام، كذلك، له وجه مشرق ومهم أيضاً، وهو تغيير ثقافة المجتمع في الكثير من الأمور بل التأثير المباشر في التغيير لأمور جذرية، وتناول ذلك الجمال ووضعه في قوالب تناسب الدولة وتوجهاتها؟
نحتاج للتخصصية أكثر، لأن تكون الخطط الكبرى التي يتحدث عنها كبار المسؤولين من وزراء وأصحاب قرار متداولة مجتمعياً، أن يرتقي الوعي الجمعي ويصير مطلعاً وصاحب رؤى وتوجه متواز مع قمة الهرم.
نحتاج إلى ألا نغيّر القيم بل نشدّ عليها، ونرتبط بها أكثر ونخالف بصوت عال ومقروء الدخلاء، وفكرهم وتصرفاتهم، وما يصنعون بكل الوسائل المتاحة. نحتاج إلى أن تنزل قضايا الرأي العام للشارع الذي يتربّى فيه جيل المستقبل وتخاطبه، تسمع له، تتحدث معه وترتقي به وتجعله في قلب الحدث، حتى يكون ذا فكر مدرك؛ الرأي العام فيه زاويا كثيرة يجب أن تجتاح المحدودية. كل الامتنان لعقول لا تزال تفكر على أرض صلبة وصامدة.
[email protected]
0 تعليق