إقفال «الأونروا» وتداعياته - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

تتعرّض «الأونروا» وهي اختصار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA، بين فترة وأخرى لأزمات مادية بسبب امتناع الدول المانحة أو الراعية عن تسديد حصصها، ومعظمها أعضاء في الأمم المتحدة، وغالباً ما يكون الامتناع لأسباب سياسية تهدف إلى الضغط على الفلسطينيين لقبول مشروعات محدّدة أو تسويات معيّنة، أو للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، والقبول بالنتائج قبل إقرارها، وهذا يوضّح سبب الأزمات التي كانت تسبّبها الولايات المتحدة الأمريكية، فتمتنع عن سداد حصّتها، فتخلق أزمة تقوم الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى بعض الدول الأوروبية، فتسد العجز المالي، وتواصل الأونروا عملها في تقديم الدعم والإغاثة إلى اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي نزحوا إليها، مثل الأردن وسوريا ولبنان، وللمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزّة، وقد ازداد الضغط على هذه الوكالة منذ بدء ما يسمى (الربيع العربي) جرّاء النازحين والمهاجرين من سوريا إلى لبنان والأردن.
ويبدو أن الأونروا تتعرّض حالياً لأزمة جديدة مختلفة، وذلك حين أمرت إسرائيل في الخامس والعشرين من يناير الماضي، الأونروا بإخلاء مبانيها في القدس الشرقية المحتلة، ووقف عملياتها فيها بحلول 30 يناير الماضي. وقالت الأونروا في بيان توضيحيّ: «إن هذا الأمر يتعارض مع التزامات القانون الدولي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك دولة إسرائيل، التي تلتزم بالاتفاقية العامة لامتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، لأن مباني الأمم المتحدة مصونة وتتمتع بالامتيازات والحصانات بموجب ميثاق الأمم المتحدة..».
وقالت الأونروا: إن إسرائيل وقّعت، من دون تحفّظات، على الاتفاقية العامة لامتيازات الأمم المتحدة وحصانتها، وسنّت أحكامها في قانونها المحلي. وتلزم هذه الأحكام دولة إسرائيل احترام امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، بما في ذلك احترام مباني الأمم المتحدة. واتهمت الأونروا إسرائيل صراحةً بأنها «تهدف من وراء إخلاء مباني الأونروا في منطقة الشيخ جراح، توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة..».
وهذه ليست المرة الأولى التي تعتدي فيها إسرائيل على الأونروا، فقد سبقت أن اتهمت مكاتبها العاملة في قطاع غزة، أثناء الحرب، التي انتهت منذ أيام، بأنها تتعامل مع المسلحين الفلسطينيين وتقدّم الدّعم إليهم، وهي بذلك، أي إسرائيل، لم تفرّق بين الفلسطينيين المدنيين، الذين يتلقون المساعدات من الأونروا، وبين المسلحين، أو التنظيمات المسلحة، وأعطت لطائراتها الحق في تدمير مكاتب الأونروا في قطاع غزة، ومن بينها المدارس التي لجأ إليها الفلسطينيون، وتحوّلت إلى مراكز إيواء، وقد قُتل العشرات من العاملين في مدارس ومكاتب الأونروا بغزة، وتعمل إسرائيل الآن على وقف عمل الأونروا في القدس الشرقية والضفة الغربية، وحجب المساعدات والخدمات عن 19 مخيماً يعتمد سكانه على الأونروا، في تعليمهم وتطبيبهم وتأهيلهم.
نقول: إن محاربة الأونروا أسبابه سياسية لأنها تعتني باللاجئين الفلسطينيين، الذين تشكّل قضيّتهم، أي قضية اللاجئين الفلسطينيين، مشكلة لإسرائيل، وهناك قرار صادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 في العام 1949 ينصّ على أنه: «يجب أن يُسمح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش في سلام مع جيرانهم، بأن يفعلوا ذلك في أقرب وقت ممكن عملياً، وأن يُدفع تعويض عن ممتلكات من يختارون عدم العودة وعن الخسائر أو الأضرار التي لحقت بالممتلكات، بموجب مبادئ القانون الدولي أو الإنصاف الدولي، ينبغي أن تنفذها الحكومات أو السلطات المسؤولة..»، وقد رفضت إسرائيل هذا القرار حينها، وقدّمت له تفسيرات تصب في مصلحتها. ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، أي بعد 76 عاماً، لا تزال إسرائيل ترفض تنفيذ القرار، بل تحارب اللاجئين أينما كانوا، وما فعلته في مخيمات غزة، وما تفعله في مخيمات الضفة الغربية، يعكس نيّة إسرائيل تصفية قضيّة اللاجئين.
ويعيش اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات فقيرة تنقصها الخدمات والبنى التحتية الحديثة، إضافة إلى الاكتظاظ السكاني اللافت، ما يضع على الأونروا أعباء إضافية كل عام، خاصة وأنها مطالبة بتحسين وتطوير خدماتها، من تعليم وطبابة وإسكان، وتقول التقارير: إنها على خلاف دائم مع التنظيمات الفلسطينية التي تشارك في إدارة المخيمات.
إن الإشكالية المزمنة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون هو منعهم من العمل في الدول التي لجؤوا إليها، ولذلك، فإن الحل الوحيد أمامهم هو اقتناص فرص عمل خارج تلك الدول، وتستقطب دول الخليج، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، أعداداً لا بأس بها من الكفاءات والمهارات وخريجي الجامعات والاختصاصيين، للعمل في مؤسساتها في القطاعين الحكومي والخاص.
إن قراءة موضوعية للمشهد، ووفق المعطيات السياسية الحالية، والاستشراف المستقبلي لقضية اللاجئين، تقول: إن على اللاجئين الفلسطينيين البدء في الاستغناء عن الأونروا شيئاً فشيئاً، والاعتماد على أنفسهم، وعدم الاتكال على أي مورد من الدول المانحة أو منظمات غير حكومية، حتى لا يأتي يوم يجدون فيه أنفسهم وحيدين، فالتخلّص من الأونروا استراتيجية إسرائيلية أمريكية، تهدف إلى التخلّص من قضية اللاجئين، ولا أعني من كلامي أن يسقط الفلسطينيون حقّهم في العودة إلى وطنهم، بل الاستعداد لما هو أخطر وأقسى وأشد، في ظل المخططات الحالية والمستقبلية.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق