إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مقترحه لتهجير فلسطينيي قطاع غزة، بذريعة أنهم يواجهون وضعاً إنسانياً صعباً، رغم الرفض الفلسطيني المصري الأردني والعربي عموماً، القاطع لهذه الخطط، دفع إدارة ترامب إلى محاولة الالتفاف والمراوغة عبر مطالبة مصر والأردن بإيجاد «مقترحات بديلة»، بحيث لا يبدو أن ترامب قد تراجع عن موقفه، وبهدف إلقاء الكرة في ملعب الجانب العربي.
من الواضح أن تمسك ترامب بتهجير الفلسطينيين، سواء إلى مصر والأردن، أو إلى أي مكان آخر، مثل ألبانيا وإندونيسيا وغيرهما، يعكس محاولاته لفرض الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لحل الصراع، والقائمة على تجاوز الحقوق الفلسطينية المشروعة، والقفز فوق «حل الدولتين» الذي التزمت به إدارات أمريكية سابقة، ولو شكلاً، والعودة لاستحضار «صفقة القرن» التي طرحها في فترة ولايته الأولى، بهدف تصفية القضية الفلسطينية.
وهي، في الحقيقة، طروحات لقيت رفضاًَ صريحاً وواضحاً من المجتمع الدولي بأسره، باستثناء مجتمع المستوطنين المتطرفين وحدهم. كما أنها تتناقض مع موقفه الرافض للهجرة، داخل الولايات المتحدة، ولا يعرف ما إذا كان ترامب يعتقد أنه بوسعه اقتلاع الفلسطينيين، أصحاب الأرض والقضية والحقوق المشروعة التي يعترف بها المجتمع الدولي، من وطنهم، وتحميلهم في طائرات، على غرار المهاجرين المكسيكيين أو غيرهم ونقلهم إلى أي مكان يريده.
بالنسبة للفلسطينيين، الجواب واضح لكل العالم، وهو عودة مئات آلاف الفلسطينيين من جنوب قطاع غزة إلى شماله فور انسحاب القوات الإسرائيلية من محور نتساريم، رغم معرفتهم بأنهم يعودون إلى أكوام من الأنقاض وأماكن غير صالحة للحياة. وحقيقة الأمر أنهم يواجهون مقترح ترامب بكثير من السخرية، لاعتقادهم أنه لن يستطيع عبر الضغوط السياسية على مصر والأردن، تحقيق ما عجزت عنه آلة الحرب الإسرائيلية طوال 15 شهراً.
المقترحات البديلة التي طالب مستشار ترامب الخاص لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، الدول العربية بها، معتبراً أن ترامب منفتح على أي خيارات أخرى، تعني أنه متمسك بتهجير الفلسطينيين وبمصيرهم ومستقبلهم، والإيحاء بأن الخلاف مع مصر والأردن بهذا الشأن يتعلق بالمكان وليس بالمبدأ.
وهو ما يتناقض كلياً مع موقف البلدين العربيين، الذي جاء على أعلى المستويات، إن على صعيدي حكومتي وبرلماني البلدين، ناهيك عن موقف الأزهر والعرب عموماً، أو في أعلى الهرم، كما جاء على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قال إن «تهجير الشعب الفلسطيني ظلم لن تشارك فيه مصر التي لديها موقف ثابت وتاريخي من تلك القضية»، وإنه سيبحث مع ترامب فتح مسار حل «الدولتين».
اللافت أنه وسط كل هذه الطروحات يعاد الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى «صحراء النقب»، وهي فكرة سبق أن طرحت مع بدايات الحرب، لكنها رفضت إسرائيلياً وأمريكياً قبل أن ترفض فلسطينياً، ما يدل على أن هدف التهجير ليس إنسانياً، بل هو سياسي بامتياز، جوهره تجريد الفلسطينيين من أرضهم وحقوقهم وتصفية قضيتهم تصفية نهائية.
[email protected]
0 تعليق