المناهج والثقافة بين منهجين - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

أيّ الطرائق في رأيك أفضل لتطوير مناهج التربية والتعليم؟
ثمّة من يرى أن التغيير الجذري هو الحل الحاسم، على نهج سيف الإسكندر، الذي لا تتردد في انتهاجه جامعة هارفارد كل بضعة عقود. وهو خيار سليم، لكون الزمن يغيّر الكثير من الأشياء. منذ الربع الأخير من القرن العشرين صار التسارع يقطع الأنفاس، ويصيب ضعيف الإرادة بالانتكاس. لعل أقوى مقولة وأظرفها تدعم مثل هذا التوجّه، هي: «يجب تغيير كل شيء، لكي لا يتغيّر أيّ شيء»، للكاتب الإيطالي جيوزيبي توماسي دي لامبيدوزا. صياغتها الأخرى: «لكي يبقى كل شيء على حاله، يجب تغيير كل شيء». بالمناسبة: الجزيرة الإيطالية لامبيدوزا، أضحت أغزر أدباً من أديبها، ففي كل يوم تكتب تراجيديا يونانية، بغرق أعداد من المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة قبل وصولهم إليها.
على الضفة الأخرى، فريق يعتقد أن التغيير من الأساس في المناهج غير محمود العواقب، إلا أن اللمسات التطويرية الرقيقة تعدّ ترميماً، فلا تجدي حين تكون التصدعات عميقة. لغتنا ظريفة لفرط غرامها بالدعابة الملهمة، فقد أعطتنا الترميم، ولكنها اشتقّته من جذر الراء والميمين، الذي منه الرميم أيضاً، فالترميم كأنه محاولة جبر العظام التي صارت هباءً منثوراً.
مناهج العالم العربي تجاوزها الزمن. لقد نبتت في تربة انفصلت منذ قرون عن عصور الحضارة الإسلامية، التي ازدهرت فيها تنمية جميع الميادين. على المفكرين والباحثين أن يفتحوا ملفات تحقيقات استقصائية في الأسباب التي جعلت جُلّ العالم العربي يُبدي الصدود إزاء الفلسفة والعلوم والبحث العلمي والموسيقى. باقة الأشواك هذه جرّدت العرب من إنتاج العلوم والفنون الرفيعة، وربط التعليم ومراكز البحث العلمي بالتنمية. هل يُعقل أن تكون أغلبية البلدان العربية غير مدركة لحقيقة مصيرية دامغة، وهي أن غياب الإدارة الفائقة في جميع المجالات قضية ثقافة وتعليم؟
الثقافة ليست سيرة المعرّي وشكسبير، باخ وبيتهوفن، أفلاطون وسارتر. الثقافة أن تصنع من آثارهم مصابيح في دروب الشعوب. متى عملت أكثريّة نُخب العرب في زماننا على أن تأتي بما لم تستطعه الأوائل؟ متى عقدوا العزم: «أكون أو لا أكون»؟ باخ طبّق الرياضيات والهندسة في الموسيقى، فهل جرّبنا؟ بيتهوفن بلغ قمة لم يبلغها أحد، فهل حاولنا؟ إذا كان البعض لا تروقهم وجوديّة سارتر، فهل فكّروا في تأسيس مسؤولية الإنسان؟ قصة قنفذيّة كما ترى.
لزوم ما يلزم: النتيجة الترميمية: حين تترهّل المناهج والثقافة، لا تعود تنفع المستحضرات وعمليات التجميل.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق