الصينيون ليسوا أقل ذكاءً - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يرجع الذعر الذي أصاب الأمريكيين، من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب إلى رؤساء كبرى شركات التكنولوجيا، من الانتشار السريع لتطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني «ديب سيك» ليصبح الأكثر تنزيلاً من محلات التطبيقات ليس لأن الشركات الأمريكية خسرت تريليون دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد فحسب، ولكن لأن الشركة الصينية الناشئة والصغيرة التي أطلقت التطبيق «أذهلت» الجميع.
تعبير الذهول هو ما استخدمته مؤسسة شركة «أوبن إيه آي» صاحبة تطبيق «تشات جي بي تي» الشهير. أما ترامب فصرّح بأن ما حدث ناقوس خطر لريادة أمريكا التكنولوجية.
أثبتت شركة «ديب سيك» أن كل العقوبات والحظر والقيود الأمريكية على الصين في مجال التكنولوجيا لم تجعل الصينيين «أقل ذكاءً» في مجال الإبداع والابتكار التكنولوجي. بل على العكس، فاق تطبيقهم للذكاء الاصطناعي الذي لم تنفق عليه الشركة الصينية سوى بضعة ملايين من الدولارات مقابل مليارات الدولارات أنفقتها شركات أمريكية مثل «أوبن إيه آي» إلى «جوجل» وغيرها.
* أولاً، تلك القيود التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس جو بايدن على دراسة الطلبة الصينيين في الجامعات الأمريكية لم يكن لها تأثير في إعاقة التقدم التكنولوجي الصيني. فالأمريكيون طالما يقولون إن هؤلاء الطلاب يعودون لبلدهم وينقلون المعرفة المتقدمة من أمريكا إلى الصين. لكن الحقيقة أن مؤسس شركة «ديب سيك» لم يدرس على الإطلاق خارج الصين. وكل المطورين في شركته هم من خريجي الجامعات الصينية.
* ثانياً، حظر تصدير المنتجات المتقدمة، مثل الرقائق الإلكترونية المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، لم توقف تطوير الصينيين لمنتجاتهم. حتى لو كانت تلك المنتجات «أقل تقدماً» من نظيراتها الأمريكية كما يقول البعض في سوق التكنولوجيا، إلا أنها كانت كافية لتبرز الصين في هذا المجال الذي بدا أنها دخلته متأخراً قليلاً لكن بقوة «أذهلت» منافسيهم. وعندما ضغطت أمريكا على هولندا لتوقف تصدير الآلات والمعدات المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة للصين، كانت الصين بالفعل قد راكمت ما يكفي من تلك المعدات وطورت النماذج الأقدم منها لديها لتنتج رقائق متقدمة.
* ثالثاً، ظل الاعتقاد السائد أن الاقتصاد المركزي في الصين والذي تتحكم فيه الدولة بسلطتها في بكين يضيق مناخ الإبداع ويقتل الابتكار. ذلك على الرغم من أنه في ذلك المناخ حققت شركة مثل علي بابا وغيرها نمواً هائلاً من قبل. لكن الواضح أيضاً أن قيادة الرئيس تشي جين بينغ أدركت قبل عامين أهمية توفير مناخ إيجابي للابتكار والإبداع خاصة في مجال التكنولوجيا. وفي ذلك الوقت تقريباً تكونت شركة «ديب سيك».
إنما يبقى العامل الأهم، هو قرارات واشنطن بحظر الاستثمار في الصين خاصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. على اعتبار أن ذلك سيحرم شركات التكنولوجيا الصينية من التمويل اللازم للبحث والتطوير والإبداع والابتكار. لكن ما حدث، أن شركة صغيرة وبكُلفة بسيطة تمكنت من تجاوز عمالقة التكنولوجيا في وادي السليكون الأمريكي. فكُلفة نموذج الذكاء الاصطناعي لشركة «ديب سيك» تقل أكثر من خمسين ضعفاً عن كُلفة تطبيقات الشركات الأمريكية.
ثم هناك فارق كبير جداً بين الشركات الناشئة في أمريكا ومثيلاتها في الصين. ففي الغرب تعتمد الشركات الناشئة خاصة في مجال التكنولوجيا على التمويل الكبير المغامر من صناديق تمويل للاستثمار عالي المخاطر على أمل تحقيق عائدات وأرباح هائلة. وبالتالي تواصل تلك الشركات الإنفاق بكثافة دون تحقيق أية عائدات لمستثمريها مع توقع أنها حين تبدأ في تحقيق العائد سيكون المردود كبيراً. وفي بعض الأحيان تفشل تلك الشركات وتفلس ولا يتمكن مستثمروها حتى من بيعها لاسترداد جزء من أموالهم.
أما في الصين، فهناك قواعد كثيرة في الاقتصاد المركزي لبكين تحول دون المغامرة الكبيرة لرأس المال. كما أن المخاطر بالنسبة للشركات الناشئة أقل بكثير من نظيراتها الغربية، ذلك أنها لا تستهدف عائدات وأرباحاً مبالغاً فيها وإنما تعمل بطريقة الاستثمار طويل الأمد. بل إنه حتى الشركات الخاصة الصينية تعمل في إطار استراتيجية الدولة، وهدف الجميع هو الدفع بالريادة الصينية عالمياً في مجالات الصناعة المختلفة للأمام.
يراهن الأمريكيون على مسألة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصيني تظل متأثرة بسياسة الدولة، وبالتالي يمكن ألا تفيد المستخدم فيما يتعلق بالأمور الحساسة للأمن القومي الصيني. ويدّعي هؤلاء أن التطبيقات الأمريكية لا تخضع لتلك القيود. إنما الحقيقة أن كل نماذج تطبيقات الذكاء الاصطناعي إنما يتم تغذيتها بالمعلومات المتاحة على الإنترنت عبر مراكز معالجة بيانات كبيرة. ونسبة كبيرة من المحتوى على الإنترنت ليست أصيلة على أقل تقدير وفي أحيان كثيرة هي عبارة عن تلفيق وتضليل ومعلومات وبيانات سطحية أو مغلوطة. وبالتالي ليس من المنطقي تماماً القول بأن التطبيقات الصينية «ستكون أقل ذكاء» من التطبيقات الأمريكية – فالجميع يرفدها نبع واحد تقريباً.
هل يعني كل ما تقدم أن الصين يمكن أن تبزّ الولايات المتحدة تكنولوجياً في مجال الذكاء الاصطناعي؟ تصعب الإجابة على هذا التساؤل. فحتى الآن تظل الريادة لأمريكا والغرب، وإن كانت الصين ليست بعيدة عن طريق الريادة هذا.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق