أوروبا تحت الصدمات الأمريكية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

شهدت منصة مؤتمر ميونيخ للأمن، في دورته الحادية والستين، أول لقاء وجهاً لوجه بين الإدارة الأمريكية الجديدة والقادة الأوروبيين القلقين من نهج دونالد ترامب ومفاجآته وحروبه التجارية والسياسية، وسط مخاوف مشروعة من زعزعة مكانة الاتحاد الأوروبي بفعل العاصفة الأمريكية التي تهب على «الأطلسي».
القرارات والإجراءات والخطوات التي اتخذها ترامب قبل انعقاد المؤتمر، لا تبشر بالخير للأوروبيين، وبدأ القلق مع رغبته في الاستيلاء على جزيرة غرينلاند الدنماركية، ثم رفع الرسوم على الواردات الأوروبية، أما أخطرها، بالنسبة إلى المصالح الجيوسياسية الأوروبية، فيتصل بسعي ترامب إلى قلب المعادلة في الحرب الأوكرانية واتصاله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورغبته في عقد صفقة كبرى معه، وتأكيد إدارته استحالة عودة الوضع في أوكرانيا إلى ما كان عليه الحال قبل 2014 ثم 2022 تاريخ اندلاع النزاع.
نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس حاول طمأنة القادة الأوروبيين، وقال: إن بلاده مهتمة بأمن «القارة العجوز»، وقبل كلمته في المؤتمر، أشار إلى أن كل الخيارات مطروحة لوقف الحرب في أوكرانيا بما فيها الضغط العسكري، وهو ما سارعت موسكو إلى شجبه وطالبت بتوضحيات على الفور.
وبالنظر إلى السياق العام للتطورات، فإن تصريحات نائب الرئيس تشبه «المسكنات» لتخفيف التوتر الأوروبي، مع وجود قناعة أن الإدارة الأمريكية الجديدة، المختلفة عن كل سابقاتها، لا تخفي نواياها، وهي ماضية في ما تراه سياسة مطلوبة في الوقت الحالي تحت شعار «أمريكا أولاً». والتطمينات التي أوحى بها دي فانس، نسفها في التوقيت نفسه، وزير الدفاع بيت هيغسيث، حين حذر دول حلف شمال الأطلسي من الافتراض بأن وجود القوات الأمريكية في أوروبا «سيدوم إلى الأبد»، وحضها على إنفاق المزيد على الدفاع، وقد حدد ترامب النسبة بحدود 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة في الحلف، بينما يخطط لخفض الإنفاق الدفاعي الأمريكي إلى النصف.
واقع الحال يؤكد أن القادة الأوروبيين في موقف لا يحسدون عليه في مواجهة إدارة ترامب، وباتوا يتلقون الصدمة تلو الأخرى، ويخشون الأسوأ في ظل أزمات داخلية عنيفة، وتنامي ما يعتبرونه «تدخلاً خارجياً»، في ظل الصعود اللافت لليمين المتطرف الذي يتسق مع ما تطرحه السياسة الأمريكية الجديدة، وربما تكون الانتخابات المقررة في ألمانيا الأسبوع المقبل، إحدى المحطات الحاسمة التي تسمح بقياس مدى التأثيرات الجديدة، خصوصاً أن هناك نبرة تسري بين كثير من النخب الأوروبية ومفادها أن على القارة أن تتغير وتتحرر من التقاليد القديمة حتى تستطيع مواكبة التحولات العالمية المتسارعة.
ما يصدر عن لقاءات المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم الأوروبيين وما تبوح به تصريحات ترامب ومراسيمه وتغريداته، يشير إلى أن صداماً كبيراً يحدث بين ضفتي «الأطلسي»، وقد يتفاعل هذا الصدام ويتطور إلى مآلات يتعذر إدراكها في الوقت الحالي، لكنه سيدفع الجانب الأوروبي إلى اتخاذ قرارات صعبة، لأن ما يمر به مهد الحضارة الغربية يؤكد أن العالم يتغير فعلاً، ولم يعد ممكناً البقاء في أسر القواعد الماضية، أو الرهان على فرضيات تجاوزتها السيرورة المتسارعة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق