أوروبا بين فكين - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

منذ الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس الأسبوع الماضي في مؤتمر ميونيخ للأمن، تغير المزاج الأوروبي، مثلما عبّر عن ذلك بوضوح الاجتماع الطارئ لقادة «القارة العجوز»، الذي استضافه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل يومين، وبدت منه بواعث قلق كثيرة، لم تخف انقسامات قائمة إزاء السياسة المطلوبة للتعامل مع واشنطن.
الاجتماع الأوروبي الطارئ جاء قبل ساعات من اللقاء اللافت بين مسؤولين روس وأمريكيين في السعودية، وبعد أيام من اتصال بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب الذي يسعى إلى إبرام صفقة مع موسكو، يخشى الأوروبيون ألا تأخذ في الحسبان مصالح أوكرانيا ومخاوف حلفائها الغربيين، وسط مؤشرات عن بوادر معركة بين بروكسل وواشنطن لا تتعلق بالرسوم الجمركية فحسب، وإنما بصراع إيديولوجي يبدو على طرفي نقيض، وقد بدأ بالصدمة التي أحدثها دي فانس في ميونيخ عندما اتهم قادة أوروبا بأنهم يتبنون ممارسة ديمقراطية «قاتلة للحرية»، وتزامن هذا الاتهام بهجوم أمريكي غير مسبوق على ألمانيا حين رفض دي فانس لقاء المستشار أولاف شولتس، وقدم دعماً علنياً لحزب «البديل» المتطرف في خضم حملة انتخابية، ربما تسفر عن نتيجة تمنح إدارة ترامب موطئ قدم سياسياً في أكبر دولة أوروبية.
ما يدور على الساحتين الأمريكية والأوروبية يؤكد أن هناك انقساماً شديد الخطورة ربما يقود إلى قطيعة تاريخية بين البيت الأبيض والعواصم الأوروبية، رغم أن هذا الاحتمال يعتبر هاجساً قديماً وليس ابن اليوم، وتم طرحه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو القادح الأساسي لمشروع الاتحاد الأوروبي بعد أن كان «سوقاً مشتركة»، وعاد في ولاية ترامب الأولى، وحينها طالب ماكرون قادة قارته بإنشاء جيش موحد، والنأي عن الحماية الأمريكية، لكن مجيء الديمقراطي جو بايدن وبداية الحرب في أوكرانيا أخمدا تلك الأفكار، بحجة أن التحالف بين الجانبين متين، ولا يمكن أن ينفصم، وهو ما يدحضه المسار التاريخي والتطورات المتلاحقة، وكذلك الرغبة الأمريكية، التي لا تتصل بشخص، وإنما هي سياسة معلنة منذ سنوات وترمي إلى التخلص من العبء الأوروبي مع الحفاظ على التحالف المتين، والتفرغ معاً للقوى الأخرى التي تشكل تحدياً هائلاً للطرفين والقصد الصين وروسيا.
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت العلاقات عبر الأطلسي إحدى أهم ركائز النظام الدولي، ومذاك استطاع هذا التحالف، على مدى ثمانية عقود، الهيمنة على العالم، سياسة واقتصاداً وعلوماً وثقافة وتقانة، وقدم نفسه على أنه مرجعية عليا، وأنه الوصي على القانون الدولي، وهو الذي يفرض العقوبات ويرفعها ويشن الحروب ويغير الأنظمة ويتدخل حتى في التفاصيل الدقيقة للدول الأخرى، لكن الحقبة بدأت تنهار في السنوات الأخيرة، ولاسيما بعد الحرب في أوكرانيا، وهذه الحقيقة أوقعت الأوروبيين في صدمة هائلة، إذ كل الذي فعلوه من أجل إضعاف روسيا وهزيمتها في أوكرانيا انقلب معادلة أخرى، مع سعي ترامب إلى عقد صفقة مع بوتين، يبدو أنها ستنهي الحلم الأوروبي وتضعه بين فكين، روسي ناصبوه العداء، وأمريكي بات يتصرف مثل الخصم وليس الحليف.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق