لم تلتزم إسرائيل بأي قرار دولي ولو لمرة واحدة، إذ اعتادت انتهاك كل القرارات الدولية، أو الالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها في محاولة منها لتثبيت ما تراه حقاً لها في تجاوز القانون الدولي، وتكريس مقولة الإفلات من العقاب، لأن الشرعية الدولية الممثلة بالأمم المتحدة عاجزة عن تنفيذ قراراتها.
مع دخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، قبل ثلاثة أيام، وعودة أهل الجنوب اللبنانيين إلى قراهم الحدودية المدمرة، ورفض إسرائيل الانسحاب من خمسة مرتفعات استراتيجية بين الناقورة وشبعا، يدخل لبنان مرحلة جديدة مجهولة المصير، لأن هذا القرار الإسرائيلي يضع الموقف الرسمي اللبناني أمام أزمة حقيقية، خصوصاً أن السلطة السياسية الجديدة التي جاءت بدعم غربي واضح، تراهن على أن تعمل اللجنة التقنية العسكرية الأمريكية -الفرنسية -الأممية على تنفيذ القرار 1701 بحذافيره، وإلزام إسرائيل بالانسحاب من كل المناطق التي احتلتها حتى الحدود الدولية، لكن هذه اللجنة التي يرأسها الجنرال الأمريكي جاسبر جيفرز لم تتمكن من إلزام إسرائيل بالخروج من المرتفعات الخمسة، من دون أن تحدد تل أبيب المدة التي ستظل فيها قواتها داخل لبنان، إضافة إلى المناطق التي احتلتها سابقاً في مرتفعات شبعا وكفر شوبا.
وفيما هناك إجماع وطني على رفض الاحتلال الإسرائيلي للمرتفعات الخمسة، حيث يلجأ لبنان للوسائل الدبلوماسية لتحرير الأرض والتوجه إلى مجلس الأمن الدولي الذي أقر القرار 1701 لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيلية وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية، فإن احتمال استئناف القتال لم يسقط من الحساب لإجبار إسرائيل على الانسحاب، كي لا تقر معادلة جديدة بفرض أمر واقع، حيث ترى إسرائيل أنها وجهت ضربة قاضية لحزب الله، وصارت تمتلك حرية الحركة في جنوب لبنان، لكن السلطة السياسية تراهن على موقف أمريكي يخلص لبنان من شرب الكأس المرة مجدداً.
تدرك فرنسا حجم خطر بقاء القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، لذلك عمدت إلى مطالبة إسرائيل بالانسحاب الكامل من لبنان رافضة استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في خمسة مواقع استراتيجية، وفقاً لأحكام اتفاق وقف إطلاق النار، ودعت جميع الأطراف إلى تبني اقتراحها التالي: «يمكن لقوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) بما فيها الكتيبة الفرنسية أن تنتشر في هذه المواقع الخمسة في المنطقة المجاورة مباشرة للخط الزرق لتحل محل القوات الإسرائيلية وتضمن أمن السكان هناك».
إن هذا الاقتراح يهدف إلى تفكيك اللغم الإسرائيلي الذي قد ينفجر في أي لحظة ويعيد الأوضاع إلى ما قبل قرار وقف إطلاق النار، مع استئناف مسلسل القتل والدمار.
إن لبنان لا يستطيع تحمل احتلال جديد لأراضيه والدخول مجدداً في مربع النار، بعدما عانى جنوبه طويلاً التهجير والتدمير.
إن المجتمع الدولي ومعه الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 مطالبة بإلزام إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي اللبنانية حتى الحدود الدولية، وعدم السماح لها بتحقيق أي مكاسب على حساب أرضه وسيادته، خصوصاً أن الجيش اللبناني يقوم بمهمته إلى جانب قوات «اليونيفيل» على أكمل وجه بالانتشار في جنوب نهر الليطاني تنفيذاً للقرار 1701.