للشجر قيمة في حياة البشر، تعني لهم الكثير، بل يرتبطون بنوع معين منها عاطفياً ونفسياً ومعنوياً، فإذا ذكرت كأنها تعنيهم وتمثلهم، وتدل عليهم وعلى بلادهم. وهذا ليس بالشيء الجديد في العالم، وكم كان للشجر من حضور في الميثولوجيا الشعبية وأساطير الأولين في العالم، فالشجرة دلالة الخصب بشكل عام. وهناك الكثير مما أكدته الحضارة المصرية القديمة والأكادية والبابلية مثلاً، فيما يخص خصوصية الشجر سواء في الحياة أو الموت أو العبادة، وعبّر عن ذلك الكاتب جمال زعيتر، بدقة «هي التي غلّفت بوجودها كينونة الإنسان من المبتدأ إلى المنتهى، وتلبَّست حياته بها من أوَّل الخلق إلى آخر مراحل وجوده. كما ترمز أغصان الشّجرة إلى المجتمعات، وترمز أوراقها وثمارها إلى الحياة الجميلة والمتألّقة والهانئة. وترمز شجرة الحياة في الديانات أيضاً إلى مصادر البركة العظيمة في حياة الإنسان، وإلى الفردوس والحياة والمعرفة».
لذا، ولما تعنيه الشجرة من معنى ومغزى، أعلنت دولة الإمارات عام 2008، أن شجرة «الغاف» الشجرة الوطنية، لما لها من خصوصية وحب في قلوب أهل الإمارات، ولما تمتلكه من قدرة على التأقلم مع البيئة الصحراوية، ولتلك الأهمية الخاصة لها اختارتها اللجنة الوطنية العليا لعام التسامح لتكون المكون الرئيسي من شعار «عام التسامح» لكونها من الأشجار الوطنية في الدولة وتعدّ رمزاً للصمود والتعايش في الصحراء، وقد حرص القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، على الحفاظ عليها بل حذّر من قطعها. كما أمر باستزراع غابات شاسعة منها.
وكلنا نعرف قيمة شجرة الزيتون ومعناها وقدسيّتها لدى العرب والمسلمين بشكل عام، والشعب الفلسطيني خصوصاً، الذي يرتبط بها منذ الأزل بعمق، وهي دلالته الثقافية الرمزية وشعاره المعرف على كينونته وانتمائه، ورمز لنضاله وصموده في وجه الاحتلال.
والحرب على شجرة الزيتون التي تمارسها إسرائيل ليس بالشيء الجديد لدلالتها وخصوصيتها لدى الشعب الفلسطيني، فمن عام 1967 حتى عام 2021 اقتلعت إسرائيل نحو 3 ملايين شجرة من بينها 800 ألف شجرة زيتون، وحولت 50% من المساحة الكلية للغابات في فلسطين إلى مستوطنات.
يا ترى هل تعتقد إسرائيل أن تجريف شجر الزيتون واقتلاعه سيغير شيئاً لدى النفس الفلسطينية المرتبطة بأرضها وانتمائها، اليقين التام أن إرادة الشعب الفلسطيني لا تساوم على ذلك ولا تهادن، حتى وإن دمرت إسرائيل 75% من أشجار الزيتون في غزة، مع كل ما دمرته من عمران خلال حربها على شعبنا العربي الفلسطيني هناك.
طال الزمن أو قصر، سيبقى الفلسطينيون، كما سيبقى شجر الزيتون وإن كره الكارهون.
من خصوصية الغاف إلى الزيتون - ستاد العرب

من خصوصية الغاف إلى الزيتون - ستاد العرب

0 تعليق