معالم الصفقة الأوكرانية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. صلاح الغول*

اللافت للنظر في التقارير والمقالات التي تغطي الحرب الروسية-الأوكرانية، التي توشك أنْ تلج عامها الثالث، أنّ التركيز لم يعد على مرحلة التصعيد العسكري غير المسبوقة التي تختبرها، أو استمرار هجوم القوات الروسية على طول خط المواجهة (1000كم)، أو تواصل تقدمها في الدونباس، وخاصةً في مقاطعة دونيتسك، وإنما بات التركيز على الهجوم الدبلوماسي الأمريكي بغية وقف إطلاق النار وتسوية الصراع الروسي-الأوكراني عبر صفقة «ترامبية» تأخذ معالمها في الوضوح رويداً رويداً.
وكان الرئيس دونالد ترامب، قد وعد، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر المنصرم، بتسوية حرب أوكرانيا في أول يومٍ له بالبيت الأبيض. وعندما استلم الرئيس ترامب ملف الحرب غداة تسلمه السلطة في يناير الفائت، وجد أنه أكثر تعقيداً مما تصور، فقرر استخدام أسلوب الهجوم «الدبلوماسي» على أمل تفكيكه إلى عناصره الأساسية أو قل عنصريه الأساسيين، وهما الولايات المتحدة وروسيا. ومن ثم، اقتنع أن أنجع وسيلة للتعاطي مع ملف الصراع الروسي-الأوكراني هي التفاوض مباشرةً مع روسيا، بهدف عقد صفقة كبرى بمنطق رجال الأعمال أو المقاولين الذي يوجه سياساته، تُنهي الحرب، وتُطبع العلاقات الأمريكية-الروسية، وتُعوض واشنطن مادياً عن دعمها العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، وتجعلها تتفرغ للصراع الأهم مع المتحدي الحقيقي للهيمنة العالمية الأمريكية، وهو الصين.
وقد بدأ ترامب تعاطيه مع ملف الحرب مبكراً، فعين مبعوثاً شخصياً إلى أوكرانيا، واتخذ قراراً بتجميد كافة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وهدد بفرض عقوبات على روسيا، وفي بعض الأحيان تم التلويح بالتدخل العسكري ضدها، إذا لم توافق على بدء المفاوضات. وقد أعطى هجوم ترامب الدبلوماسي المعلن والخفي أكله، فقد تم التواصل المباشر بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن طريق مكالمةٍ تليفونية لمدة 90 دقيقة تقريباً، وهي الأولى من نوعها بين رئيسين أمريكي وروسي منذ ما قبل اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير 2022.
اتفقا على الخطوط العريضة لبدء مفاوضات التسوية للحرب في أوكرانيا. ثم أعلن عن قرب عقد قمةٍ أمريكية-روسية بين الرئيسين في الرياض، سبقها توافد كبار المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، والروس وعلى رأسهم، وزير الخارجية، إلى السعودية، حيث عقدوا مباحثات مباشرة غير مسبوقة، تركزت على الترتيب لقمة ترامب-بوتين، ومعالم التسوية أو الصفقة السياسية لإنهاء أطول الحروب في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن الملاحظ أنه لا أوكرانيا أو أي من الدول الأوروبية حضرت هذه المباحثات جميعها أو انخرطت في التحضير لها، ما زاد مخاوف الأوروبيين من استبعادهم من مفاوضات التسوية النهائية للحرب الأوكرانية. ولعل ذلك كان وراء اجتماعهم، بدعوة من فرنسا، في باريس في 18 فبراير الجاري لتبني سياسة موحدة تجاه الحرب واحتمالات السلام في أوكرانيا.
فما هي أهم معالم هذه الصفقة، التي يشبهها البعض باتفاقية يالطا عام 1945 بين الاتحاد السوفييتي السابق ودول الحلفاء؟
بادئ ذي بدء، ستضطر أوكرانيا لتقديم تنازلات إقليمية صعبة عن الأراضي المحتلة في إقليم الدونباس وشبه جزيرة القرم. ومن غير المرجح أن ترى كييف على المدى المنظور عودة حدودها لعام 1991، أو حتى لعام 2014، وإن تمكنت من استعادة بعض الأراضي التي فقدتها لصالح روسيا منذ عام 2022، في إطار تبادلٍ لمناطق احتلالها في مقاطعة كورسك الروسية (أقل من 40% من مساحة المقاطعة). وفي المديين القريب والمتوسط على الأقل، لن يكون هناك أي أفق لانضمام أوكرانيا إلى الناتو، وإن كانت ستُعطى ضمانات أمنية أوروبية فعلية وأمريكية تعهدية بعدم تكرار الهجمات الروسية عليها في المستقبل. وقد أرسلت الولايات المتحدة رسمياً مذكرةً إلى الدول الأوروبية تستطلع فيها رغباتها في كيفية الإسهام في هذه الضمانات الأمنية التي ربما قد تأخذ شكل قوات حفظ سلام تفصل بين الطرفين الروسي والأوكراني، من دون مشاركة أمريكية. ولكن سوف يُسمح لكييف بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي.
ومن ناحية أخرى، سوف تتم بالقطع إعادة تطبيع العلاقات الأمريكية-الروسية، ووضع خطة أو برنامج عملي لرفع العقوبات الغربية على موسكو. وكان هناك حديث عن وعدٍ أمريكي بتسهيل عودة روسيا إلى عضوية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وإن كان ذلك غير متصور في الأمد القريب، بسبب المعارضة الأوروبية.
ومن المتصور أن تثمر المفاوضات الأمريكية-الأوكرانية المنفصلة عن سيطرة الولايات المتحدة على مشروعات إعادة الإعمار في أوكرانيا، وأن يتم تعويض الدعم الأمريكي الذي دام سنوات لأوكرانيا (قدّره ترامب ب 500 مليار دولار) باستثمارات تفضيلية أمريكية في قطاع المعادن النادرة، التي تُستخدم بشكل خاص في صناعة الإلكترونيات، في أوكرانيا.
والخلاصة أنّ الهجوم الدبلوماسي الأمريكي لوقف الحرب في أوكرانيا أخذ يؤتي أكله، وأنّ منطق الصفقات «الترامبي» يبدو أنه سيحكم التسوية السياسية للحرب، وأنّ الصفقة المحتملة لن تكون دائمة بحكم شعور كييف بممارسة الضغوط عليها، وشعور الأوروبيين بتصميم الأمريكيين على استبعادهم.

[email protected]

*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق