د. علي محمد فخرو
لقد كتب الكثيرون عن شتى الأسباب، من مثل الدينية التوراتية والإيديولوجية السياسية الاستعمارية والأوضاع العربية الخلافية المتضادة التي أضعفت ومزقت القدرات العربية القومية المشتركة، التي كانت وراء مقترحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن مصير ومستقبل قطاع غزة وشعبها.
اليوم نود إضافة سبب أمريكي آخر مقنع وراء مقترحات الرئيس وتصريحاته : إنه سبب الاستفادة المتعددة لما يعرف اليوم بظاهرة «رأسمالية الكوارث». إن صور وأهداف وممارسات تلك الظاهرة قد بينتها بإسهاب الكاتبة والصحفية الكندية الشهيرة نعومي كلاين في كتاب رائع متميز نشرته منذ بضع سنين تحت عنوان «مبدأ الصدمة وصعود رأسمالية الكوارث».
تشير المؤلفة إلى أنه ما إن تحدث في أي بلد كارثة طبيعية كبيرة، أو اجتياح واحتلال غير أخلاقي كالاجتياح الأمريكي للعراق لأسباب مفتعلة، أو حدوث أزمة مالية واقتصادية كبيرة كما حدث للعديد من بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية وبعض البلدان العربية... ما إن حدثت مثل تلك الظواهر الكارثية حتى رافقتها ظاهرة الصدمة الاجتماعية التي تصاب بها كل مكونات المجتمع في البلد المصاب بالكارثة، بحيث يفقد المجتمع توازنه وكثيراً من قيمه وثوابته. وهذا يقود إلى قابلية ذلك المجتمع المصاب بالكثير مما كان سابقاً يرفضه.
هذا السقم والألم النفسي المجتمعي يجعل المواطنين متلهفين للخروج من آلامهم بأي ثمن.
هنا تأتي قوى رأسمالية الكوارث، من مثل التي ينادي بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لجني الأرباح، بل وبقسوة حتى لو كان ذلك سيتم على حساب المنكوبين وبإخضاعهم أو تشريدهم أو سلب حقوقهم الإنسانية.
فالرئيس الأمريكي ومن وراءه يستطيعون بسهولة أن يدركوا أن ما جرى، وإلى حد ما لا يزال يجري، في غزة من كارثة إبادة وتدمير وحرق الأرض وما عليها قد حققت، حسب رأيهم، المطلوب الكافي من عدم التوازن في طول وعرض مجتمع غزة وبالتالي مجتمع فلسطين، وأن إنسان غزة وفلسطين سيكون في وضع نفسي لقبول مسرحية الإنقاذ من قبل شركات رأسمالية الكوارث، تماماً كما رأوها تحدث في كثير من البلدان التي تعرضت لكوارث طبيعية أو أمنية أو مالية عبر العقود الخمسة الماضية على الأخص.
تذكر الكاتبة بإسهاب وتفصيل دقيق أن وراء مجيء ونضج ظاهرة رأسمالية الكوارث، التي تتبناها طبقة كبيرة من ميسوري أمريكا على الأخص، قبول فلسفة ظاهرة رأسمالية الكوارث في مدرسة شيكاغو الاقتصادية الشهيرة التي قادها وأشرف على تخريج الألوف من أتباعها الاقتصادي النيوليبرالي العولمي المتوفى منذ بضع سنين ميلتون فريدمان، صاحب القول الشهير «فقط إبان الأزمات والصدمات يمكن إحداث تغييرات حقيقية.. فما كان سياسياً أمراً مستحيلاً، يصبح في الحال أمراً ممكناً»، أي أمراً مقبولاً
من الرأي العام المتعب المنهك. لقد كان فريدمان ومدرسته وتلامذته على سبيل المثال وراء نهب فقراء نيو أورلينز الأمريكية بعد تدميرها من قبل إعصار كاترينا الشهير، أو تقديم الاستشارات الاقتصادية الكاذبة للطاغية بينوشيه في تشيلي بأمريكا الجنوبية، وغيرهما من أمثلة كثيرة أخرى.
وعليه فإن من الضروري أن تؤخذ في الاعتبار مثل هذه الأفكار والممارسات، التي تبدو في الظاهر أنها من أجل الخير لكنها في الباطن من أجل جني الأرباح، من قبل الذين سيجتمعون في الرياض أو في القاهرة لمواجهة هذا المقترح بشأن غزة.
0 تعليق