العفوية هي فن الحياة، هي تلك القدرة على التفاعل مع اللحظات كما تأتي، دون تخطيط مسبق أو محاكاة، لكن كيف يمكننا أن نعيد تعلم العفوية؟ وهل فقدنا القدرة على الاستمتاع بما هو غير متوقع؟ الحياة المهيكلة والمخططة، رغم فوائدها الكثيرة، قد تكون، في الوقت نفسه، سجناً يقيد قدراتنا على التفاعل بحرية مع اللحظات التي تقترب منا. عندما نحدد كل خطوة في حياتنا، عندما نصبح عبيداً للجدول الزمني والمهام اليومية، نفقد جزءاً من الروح التي تجعل الحياة أكثر من مجرد سلسلة من الأفعال المتسلسلة، أصبحنا نقيس حياتنا بأرقام، وبمواعيد تسليم، وبنسبة الإنجاز، مما يخلق حالة من الضغط المستمر في أعماقنا، نحن لا نسمح لأنفسنا بالتوقف للحظة، لنشعر بالحرية أو نتفاعل بعفوية مع ما حولنا، ومع هذا الضغط المستمر، نبدأ في التقليل من قيمة اللحظات التي لا يمكننا التنبؤ بها، تلك التي تكون مليئة بالمفاجآت والفرص الجديدة. العفوية ليست مجرد تصرفات غير مخططة، بل هي حالة ذهنية تدفعنا للعيش في اللحظة، وتقدير جمال العالم كما هو، لكن عندما نتعلم أن الحياة هي عبارة عن سلسلة من المهام التي يجب إتمامها، فإننا نتجاهل جانباً كبيراً من الوجود البشري، وهو الاستمتاع بما هو غير متوقع، وما يأتي من دون تحضير مسبق.
لننظر إلى الأطفال كمثال، فهم مبدعون بطبيعتهم، ويتفاعلون مع العالم بعفوية تامة، لا يعكر صفوهم التفكير في المستقبل أو القلق بشأن المستقبل. كل لحظة هي فرصة جديدة للاستكشاف، والمفاجآت هي ما يجعل الحياة مليئة بالدهشة.
إذن، كيف نعيد تعلم العفوية؟ أولاً، علينا أن نتوقف عن تصنيف كل لحظة وفقاً لخطة مسبقة، قد يكون ذلك تحدياً، ولكن المحاولة الأولى هي أن نسمح لأنفسنا بالعيش في اللحظة، بأن نترك الأمور تأخذ مجراها دون تدخلنا المفرط، نتفاعل مع محيطنا كما يأتي، قد يكون ذلك من خلال المشي في مكان غير معتاد، أو الحديث مع شخص غريب.
ثانياً، يجب أن نتخلى عن فكرة أن العفوية تعني الفوضى أو اللامبالاة، العفوية لا تعني التهور، بل هي الإبداع في التفاعل مع العالم المحيط بنا، وهي مرونة العقل في الاستجابة لما يحدث.
بدلاً من الاعتماد على خطة ثابتة، يمكننا أن نخطط للأمور الكبيرة في حياتنا، ولكن يمكننا أن نسمح للحظات الصغيرة أن تأتي إلينا دون جداول زمنية.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق