الضوضاء الحديثة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

كما هو الحال في مجالات الحياة الأخرى المتنوعة، فإن هناك تزاحماً في الأصوات والضوضاء. نحن محاطون باستمرار بأصوات متدفقة، عالية الصخب والضجيج، من الهواتف التي نحملها بين يدينا، إلى الشارع الذي نمشي فيه، إلى الأسواق التي نرتادها أو الحدائق التي نزورها، وصولاً إلى المناسبات الاجتماعية، بينما الأصوات الهادئة، تلك التي تعكس حاجتنا البشرية للهدوء، تتضاءل وتتلاشى ببطء.
كأننا نعيش في عالم يعج بالصخب، لا نستطيع التركيز على ما هو أساسي، كل شيء يتنافس على جذب انتباهنا، لم يعد من الممكن أن نكون هادئين مع أنفسنا، لأن هناك دائماً شيئاً آخر يطالب باهتمامنا، هذا الزحام الصوتي يجعلنا نفقد إدراكنا لما هو ذو قيمة حقيقية في حياتنا، الضوضاء التي تملأ يومنا تجبرنا على الانشغال المستمر، ما يجعلنا نغفل عن الأصوات الصامتة التي تستحق أن نسمعها.
تأثير الضوضاء الحديثة لا يقتصر فقط على حواسنا، بل يتجاوز ذلك ليصل إلى عقلنا وروحنا، عندما نتعرض للأصوات المزعجة أو الأصوات المرتفعة المستمرة، يصبح من الصعب أن نركز على ما هو مهم، ومعها نصبح أكثر استجابة للأصوات العالية والمفاجئة، وأقل قدرة على الانتباه للأصوات الهادئة التي كانت تعني لنا الكثير في الماضي، مثل صوت الرياح بين الأشجار، همسات الأحباء، أو حتى صمتنا الداخلي الذي يساعدنا على الاتصال بأنفسنا.
إن هذه الأصوات المفقودة، جزء من عملية تفكير أعمق وأكثر وضوحاً، وهي تمنحنا الإحساس بأشياء نحتاج إليها دون أن نقولها، لكن في ظل الضوضاء الحديثة، تمحى هذه اللحظات التي كانت تمنحنا الفرصة للتأمل والتواصل مع مشاعرنا الحقيقية، نحن في سباق مستمر للقبض على كل لحظة، بحيث لا نسمع أنين العالم الهادئ من حولنا.
إن المساحة التي تترك للأصوات التي لا نسمعها هي المساحة التي نحتاج إليها للتواصل مع أنفسنا والعالم من حولنا بشكل أعمق، الضوضاء هي أداة تشتت، ولكنها أيضاً تدفعنا للبحث عن لحظات من الهدوء والاستماع إلى ما يستحق أن نسمعه.
وفي عالم تتزايد فيه الأصوات المزعجة، ربما يكون من الأفضل أن نتوقف لحظة، لنسمع ما فقدناه، أصوات القلب، وأصوات الحب، وأصوات الحقيقة التي قد تكون أكثر هدوءاً، لكنها تملك أكبر تأثير في حياتنا.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

أخبار ذات صلة

0 تعليق