المحبة جذر القوة الناعمة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

عبدالله السويجي

«احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة الترتيب العاشر في مؤشّر القوة الناعمة، الصادر عن مؤسسة «براند فاينانس» في بريطانيا». نُشر الخبر في 20 فبراير/شباط، وتناقلته وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية. والخبر هو نتيجة وليس الحكاية كلّها، ولتبسيط المقاربة، فإن نشر الخبر في وسائل الإعلام المتعدّدة الكبرى، وتداوله على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، يعني أن مليارات من البشر تابعوه بشكل أو بآخر، وتداولوا اسم الإمارات، وهذا في حد ذاته يعزّز القوّة الناعمة.
وبعيداً عن تعريف المصطلح أكاديمياً وإعلامياً واقتصادياً واجتماعياً وفلسفياً وثقافياً، وقريباً من المعرفة العامة واللغة السهلة التي يفهمها الجميع، فإن القوة الناعمة تعني الجذب، وبتبسيط أكثر يمكننا شرح المصطلح من خلال سؤال بسيط، هو: لماذا تحوّلت الإمارات إلى وجهة جاذبة للخبرات ورؤوس الأموال والسياح والمبدعين والفنانين والمستثمرين؟ ولماذا يقرّر أحدهم العيش في الإمارات، أي الإقامة الدائمة في الإمارات؟
أعتقد أن أي إنسان بسيط، يستطيع الإجابة، وببساطة أكثر، يقول لك أحدهم (راح أريّح راسي في الإمارات). ويمكن تحويل مجمل المنطق بمعنى الشعور بالطمأنينة، وهذه المفردة الأخيرة تساوي كل كنوز الدنيا، وتلك الكنوز تتجسّد في القوة الناعمة، القوة التي جعلت شركة ما، أو فرداً ما، يقتنع وهو بكامل وعيه وإرادته وخياراته بالعمل والإقامة والاستثمار في الإمارات، هذا الإقناع غير المباشر هو نتيجة القوة الناعمة، التي تجذب الآخرين بكل سلام وطمأنينة ومحبة للمشاركة، بمحبة أيضاً، في البناء والاستقرار.
ولعل جميع الذين كتبوا في موضوع القوة الناعمة، كانوا عقلانيين أكثر مما يجب، فوظّفوا الأرقام والبيانات والاستبيانات ليشرحوا سبب حصول الإمارات، أو أي دولة أخرى، على مركز متقدّم في مؤشّر القوة الناعمة، وتناسوا الكنز الأصلي والأصيل، والمتعلّق بالشخصية الإنسانية، بالعاطفة، بالإيجابية، بالروح البيضاء، بدماثة الخلق، بالرقي في التعامل، بالمحبة التي تلخّص كل ما تقدّم.
فحين نقول إن الإماراتي الفرد يجب أن يكون سفيراً لبلاده داخل الدولة وخارجها، فإننا نتحدث عن جوهر القوة النّاعمة، نتحدث عن ثقافة الفرد الاجتماعية، واللباقة في التعامل، عن إجادة اللغات، عن الأمانة والصدق، عن مساعدة الآخرين ونجدتهم، عن التشبّع بالأخلاق الحميدة، عن القناعة والرضا، عن الشخصية الوطنية، عن الإنسانية التي تجمع كل العناصر الإيجابية، وحين ينجح الفرد في أن يكون سفيراً لبلده، فهذا يعني حيازته على كل تلك المواصفات والصّفات، ومن دونها، مهما كانت الدولة غنيّة، فإنها لن تكون جاذبة، وبالتالي العنصر الإنساني هو الجاذب، وقد صادف أن اجتمعت إلى جانب هذا العنصر القدرة الاقتصادية وفرص العمل والاستثمار الناجح والبنى التحتية.
ولو فكرنا بطريقة دائرية، سنعود إلى فكرة المحبة ونقول إن كل الإنجازات التي نراها قد تحقّقت في الإمارات، وعلى كافة الصعد، تم تنفيذها بمبدأ المحبة، بدءاً بفكرة الوحدة أو الاتحاد الذي أنتج الدولة الاتحادية مروراً بكل التفاصيل الأخرى، التفاصيل الكبيرة، التي شيّدت المؤسسات والأنظمة والقوانين والبنى التحتية، وصولاً إلى أدق التفاصيل، كل ذلك تم تنفيذه بالمحبة، وهو المبدأ الإنساني الذي يحتضن كل القيم الجميلة والرائعة، ويؤدي إلى استدامة الإنجاز أو الفعل المتحقّق، فلا استدامة من دون محبة، ولا بناء من دون محبة.
وهذه المفردة تبدأ من اللحظة الأولى التي يصل فيها الزائر إلى المطار حتى خروجه منه بابتسامة، كل ذلك نتيجة تأثير القوة الناعمة التي تأسست على المحبة والإنسانية. وهذا ليس كلامي وحدي، إنه كلام الفلاسفة والمفكرين الاستراتيجيين، الذين يقولون إن أي بناء لا ترافقه منظومة القيم العالية والراقية هو بناء إلى زوال، وببحث بسيط في نسيج المجتمع الإماراتي، الحاصل على ترتيب متقدّم في القوة الناعمة بين الدول، نجد الأصالة هي التي دعمت الحداثة وليس العكس، والأصالة هي الروح المعنوية والقيمية للشعب، وهي العامل الرئيسي لاستدامة التنمية، والضامن الرئيسي لمستقبل أجمل للأجيال الصاعدة، لذا، من الأهمية بمكان، ترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية الراقية في الأجيال الصاعدة لضمان استمرارية واستدامة القوة الناعمة، أي استدامة الجذب.
لم نلجأ إلى الأرقام والبيانات وذكر الإنجازات والشواهد، لأنها موجودة ومتاحة للباحثين، لكن الوصول إلى مبدأ المحبة، يكاد يشكل الدولة العميقة أو السلطة الأصيلة للدولة والمجتمع، ألم تفز دولة الإمارات بالمرتبة الأولى عالمياً في العطاء ومساعدة الغير ونجدة المحتاج، في الواقع هي فازت بالمرتبة الأولى بمؤشر المحبة، والتعامل الراقي مع الغير، على صعيد الدول والأفراد.
وقد تكون مناسبة ذهبية الدعوة لتضمين المناهج المدرسية تلك المبادئ، ولفت الانتباه إليها، حتى لا يفقد الكائن البشري سبباً رئيسياً في استدامة الرخاء والحياة السعيدة، خاصة ونحن نعيش ثورة تقنية وتكنولوجيا أدت إلى الذكاء الاصطناعي، هذه الثورة تنعكس سلباً على قناعات الفرد أو الأجيال الصاعدة، وتكاد تحوّلهم إلى آلات، أي تجعلهم ميكانيكيين في أفكارهم وتفكيرهم، وتُحوّل عقولهم إلى منطق الرياضيات، بينما الإنسان مكوّن من جسم وروح، والروح هي الأصل، وأي إهمال لها سيؤدي إلى انتكاسة الجسد، وهذا ما حصل لمجتمعات كثيرة، فانتكست مجتمعياً. وكخلاصة للقول، الإنسان هو الذي يوجّه الآلة، والإنسان معنى راقٍ تتجسد فيه أسمى معاني الإنسانية قولاً وعملاً.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق