لم يعط «جورج أُورويل» شخصية «الأخ الأكبر» أي اسم محدّد في روايته «1984»، بل هو هكذا فقط «الأخ الأكبر» الذي يدير دولة «أوقيانيا» بالحزب الذي يرأسه، ويراقب الشعب عبر شاشات ضخمة لعلّها الكاميرات الصغيرة الدقيقة اليوم والمنتشرة في كل مكان، وهي في الرواية لم تكن سوى نتاج الخيال السياسي الذي اشتغل عليه أورويل في روايته التي صدرت في العام 1949، وما زالت تقرأ إلى اليوم على نطاق واسع وبعشرات لغات العالم الحيّة.
لا اسم محدّداً أو معروفاً للأخ الأكبر، ولكنه موجود في كل مكان في «أوقيانيا». كل شيء بيده وتحت عينيه، وتحوّل مع زمن القراءة للرواية إلى رمز الشمولية المطلقة والاستبداد، وهو في الوقت نفسه الأكبر في الدهاء السياسي حين قام بتشكيل عدة وزارات مثل وزارة الحب، ووزارة الوفرة، ووزارة الحقيقة، يقوم عليها وزراء دولة أوقيانيا، ولكنّ جميعهم مشبوكون في خيط واحد مربوط بيد هذا الأخ.
ونستون سميث الموظف في وزارة الحقيقة كان عليه دائماً أن يقوم بتزييف الحقيقة، ويرتعش من الخوف لمجرّد أن يذكر أمامه عبارة «الأخ الأكبر».
حين نقلت رواية «1984» إلى العربية وقُرئت أيضاً على نطاق واسع عربياً، أصبح الأخ الأكبر في أية عائلة يشعر بالحرج من كونه الابن البكر لأبيه وأمّه، ذلك أن الإسقاط في الرواية يذهب مباشرة إلى هذا الابن الأكبر بين إخوته، وسوف تنطبق كل سوءات الأخ الأكبر في الرواية على هذا الابن سيّئ الحظ في ترتيبه العائلي.
بعد رواية أورويل، أصبح وصف الأخ الأكبر ليس لطيفاً في الأوساط العائلية والثقافية وبخاصة في بريطانيا أو في لندن التي هي الفضاء المكاني (الحقيقي والمتخيل) في الرواية، وحتى في أوروبا كان الفرنسي أو الألماني يتجنّب التعريف عن نفسه بكونه الابن الأكبر في العائلة بين إخوته وأخواته.
يحمل أحد أغلفة الرواية المترجمة للعربية صورة تقريبية لستالين، وهو سبب كافٍ للروسي لكي يكره الرواية من غلافها، كما هو سبب آخر لتذمّر الروس حين يعرّفون بأنفسهم على أنهم «إخوة كبار».
مسكين «الأخ الأكبر» العائلي، سواء أكان عربياً أم أوروبياً، فقد تلبّسه تماماً هذا الإسقاط الروائي على ما هو واقعي، ففي حالة العائلة قد يكون أخوك الأكبر لا يشبه أبداً «الأخ الأكبر» في الرواية.
«1984» رواية خبيثة، كونها رواية تنبُئِيّة إلى حدّ كبير، ففي الثمانينات من القرن العشرين ظهرت بعض الكيانات السياسية الأوروبية والعربية التي ترأسها إخوة كبار، وصار «الأخ الأكبر» صورة مصغرة أو مكبّرة عن الأخ الأكبر لجورج أورويل.
«الأخ الأكبر» إذا استخدمته بوصفه استعارة أو كناية سياسية، فأنت تخطئ تماماً إذا لم تكن قد قرأت الرواية أو قرأت الأدبيات السياسية العربية والأوروبية التي تجعل من هذا الأخ رمزاً للاستبداد. وكن حذراً دائماً في انتقاء خطابك العائلي وأنت تمتدح أكبر إخوتك قائلاً له: يا أخي الأكبر.
[email protected]
يا حبيبي يا أخي الأكبر - ستاد العرب

يا حبيبي يا أخي الأكبر - ستاد العرب
0 تعليق