كما هو واضح وماثل، فإن الخوارزميات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تجربتنا البشرية الحديثة، ومؤثرة في كل جانب من جوانب حياتنا، من التسوق إلى التفاعلات الاجتماعية، وصولاً إلى الأفكار التي نعتقد أنها نابعة من ذاتنا فقط.
الخوارزميات هي مجموعة من القواعد الرياضية والمنطقية التي تبرمج بها الأنظمة لتوجيه سلوكها أو اتخاذ قرارات معينة بناء على بيانات مدخلة. في البداية، كانت الخوارزميات أدوات تستخدم في الحوسبة والبرمجة، لكن مع التقدم والتطور المتلاحق، أصبحت هذه الخوارزميات تدخل في جميع مجالات حياتنا اليومية، من محركات البحث على الإنترنت إلى التطبيقات التي نستخدمها، والخوارزميات التي تحدد ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى الأنظمة المالية التي تقرر مصيرنا الاقتصادي.
من خلال هذه الخوارزميات، يتم تحديد خياراتنا بشكل تدريجي، حتى في أبسط الأمور التي نعتقد أنها قراراتنا الشخصية. على سبيل المثال، عندما تبحث عن منتج عبر الإنترنت، تجد أن النظام يقترح لك العديد من الخيارات بناء على ما بحثت عنه في الماضي، أو بناء على اهتماماتك التي تمّ جمعها وتمّ تحليلها، هذه الخوارزميات لا تقتصر فقط على اقتراحات المنتجات، بل تمتدّ إلى الأخبار التي نقرؤها، والمحتوى الذي نشاهده، وحتى الأشخاص الذين نتفاعل معهم.
الخوارزميات تحلل كل خطوة نقوم بها، وتقدم لنا الخيارات التي تراها الأنسب لنا، ويبدو أن اختياراتنا قد تمّ تحديدها بالفعل، حتى قبل أن ندرك ذلك. نحن في الواقع نعيش في عالم من الخيارات المحدودة، وهو ما يسمّى ب «الاختيار المخفي» بمعنى آخر، حتى عندما نعتقد أننا نختار بحرية، فإن الخوارزميات التي تعمل خلف الكواليس هي التي تحدد لنا الخيار الذي نعتقد أنه الأمثل.
على سبيل المثال، على منصات مثل «فيسبوك» و«إنستغرام» التابعتين لمجموعة «ميتا»، أو منصة «إكس»، قد تشعر بأنك في مكان يتيح لك التواصل بحرية ومشاركة آرائك، لكن الخوارزميات تراقب وتوجّه المحتوى الذي تصادفه، مما يشكل إطاراً محدوداً لرؤيتك للعالم. عندما ترى منشورات معينة باستمرار أو تتفاعل مع نوع معين من الأخبار، يتم تكوين فقاعة معلومات حولك، حيث تزداد فرص رؤيتك لآراء متوافقة مع توجهاتك الحالية، بينما يتم تهميش الآراء الأخرى.
ويبقى السؤال المهم: هل هذه تجربتك الشخصية، أم أن الخوارزمية قد اختارت لك، بالفعل، منظورك الخاص؟ وللحديث بقية...
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق