بكاء العربي ضحك.. وضحكه بكاء - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

قرأت «تاريخ البكاء» للأكاديمي الأمريكي توم لوتز، ولم أجد دمعة واحدة للعرب في هذا البحث الاستقصائي المتعب لتاريخ الدموع الطبيعي والثقافي من الصين، مروراً بالبكاء الاحتفالي العالمي على فيلم «تايتانيك»، وليس انتهاء بدموع رؤساء وشخصيات سياسية معاصرة، وهي، بحسب لوتز، دموع كاذبة.
عند توم لوتز يبدو أن العرب لا يبكون، فلا تاريخ لدموع الخنساء، ولا دموع أبي فراس الحمداني، ولا أثر لأي بكاء «ولولا الحياءُ لهاجني استعبارُ.. ولزرت قبرك والحبيبُ يُزارُ»، غير أن الخجل من منظر الدموع أكبر من الحزن على الميت المُسَجّى في القبر، ولا تنس أيضاً أن العربي غليظ الكبد فلا يبكي، «يُبكي علينا ولا نبكي على أَحَدٍ، فنحنُ أغلظ أكباداً من الإِبِلِ»، وكله شعر يجانب الحقيقة العاطفية عند العرب، فنحنُ من أكثر شعوب العالم ذرفاً للدموع، وأكبادنا ليست غليظة كما صوّرها شاعرنا العربي، ومع ذلك، تجنّب الباحث الأمريكي لوتز قراءة دموع العرب، كما لو أن لا تاريخ لهذه الدموع.
ما علينا من دموعنا ومن دموع الشعوب الباكية، ولنتوقف عند بعض المعلومات والقصص الصغيرة في تاريخ ماء العين، فقد بكت «عناة» في الأسطورة اليونانية أخاها «بعل» حتى شربت دموعها، والبكاء في ثقافة الكرد ينمّي الصوت، وتتضمن الدموع نسبة عالية من البروتينات والمنغنيز.
يرى لوتز أن الدموع نوع من اللغة، وهي «أساسية، وبدئية في معظم الأحيان، والدموع أيضاً طريقة من طرق التواصل»، وربما لهذا السبب نجد علاقة بين البكاء والمسرح.
يقول لوتز: «إن معظم الممثلين ليسوا في الواقع على وعي كامل بالعمل الانفعالي، الذي يقومون به، حيث يمكنهم تفعيل مختلف أنظمة الدماغ والجسد باستخدام نوع من التغذية المنعكسة. يمكن أن يؤدي تذكر الأفكار الحزينة إلى إطلاق نوبة من البكاء».
وشخصياً، أرى أن هذا النوع من البكاء هو بكاء كاذب يقوم على استرجاع حادثة حزينة ما فتتساقط الدموع، وهو ما فعله بعض رؤساء أمريكا بتوجيهٍ وتعليماتٍ سيكولوجية من خبراء في علم النفس.. ففي بعض ثقافات الشعوب، ينبغي أن يكون البكاء جلوساً على الأرض، وهناك دموع مستأجرة.
أخيراً، إليك هذه الدموع لعروس كورية كانت تستعد للزواج: «بكت عمّتي العروس، استخدمت كل المناديل الحريرية الطويلة التي كانت مُعَدّة لكي تستعملها، كان هناك أكثر من عشرين منديلاً، إذ من المفترض أن تبكي العروس بشدة في هذا الوقت، سواء كانت صادقة في ذلك أم لا».
يقول نزار قباني في إحدى قصائده «كان في وُدّيَ أن أبكي.. ولكني ضحكت»، وهي صورة معكوسة عند المتنبي: «ضحكٌ كالبكاء» ظاهرة عربية انعكاسية لم يقرأها توم لوتز.
[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق