ليست دعوة إلقاء السلاح التي وجهها عبد الله أوجلان الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني التركي هي الأولى التي يوجهها للحزب لإلقاء السلاح ووضع حد للتمرد الذي دام 41 عاماً. فقد سبق له أن وجه دعوتين مماثلتين عام 1993 وعام 2015 باءتا بالفشل. الجديد أن الدعوة صدرت من سجن إمرالي حيث يُعتقل منذ أكتوبر عام 1990 وحكم عليه بالإعدام ثم خُفف إلى السجن المؤبد في أكتوبر 2002.
وتأتي الدعوة بعد أربعة أشهر من عرض أنقرة السلام على أوجلان الذي استجاب إليها من خلال بيان صدر عن وفد نواب حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية المؤيد للأكراد كان زاره في السجن يوم الخميس الماضي قال فيه «اعقدوا مؤتمركم واتخذوا قراراً.. يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه»، أضاف «أدعو إلى إلقاء السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة».
في بيان أوجلان تطور فكري مهم لديه، فيه ابتعاد عن الفكر الماركسي المعهود، ولم يكن البيان موجهاً إلى الدولة بل كان موجهاً بشكل أساسي إلى الحزب كي يعقد مؤتمره ويحل نفسه ويندمج في المجتمع. كما تخلى أوجلان عن أفكاره السابقة بتأسيس كيان انفصالي للأكراد، ولوحظ إشادته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي.
حزب العمال الكردستاني سرعان ما استجاب للنداء وأعلن يوم السبت الماضي وقفاً لإطلاق النار على أن يبحث لاحقاً قضايا مثل إلقاء السلاح والالتزام بكل ما طلبه أوجلان.
تمثل الخطوة التي أقدم عليها أوجلان مرحلة متقدمة لحل التمرد الكردي الذي أودى بحياة آلاف الأكراد والأتراك، ووضع تركيا طوال السنوات الماضية في أتون صراعات عرقية عنيفة أثرت بشكل سلبي في أوضاعها السياسية والاقتصادية.
ثمة عوامل داخلية وخارجية لعبت دوراً في التغيير الفكري لدى أوجلان وانتهاجه الخط البراغماتي نتيجة المراجعات التي قام بها خلال سنوات سجنه بأن التمرد يواجه انسداداً تاماً وطريقاً لا يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر، وأن ما تحقق من حرية وديمقراطية في تركيا يمكن البناء عليه وتعزيزه، وبالتالي يمكن للأكراد الحصول على مطالبهم من دون اللجوء إلى السلاح.
لا شك أن دعوة أوجلان سوف تترك أثرها لدى الأكراد في جبال قنديل في العراق ولدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا، إذ إن المسار الكردي في تركيا لا بد أن يلقي بظلاله في البلدين نظراً للتواصل والتداخل بينهما.
لا يُعرف بعد كيف سيكون رد فعل الإدارة الأمريكية في حال ألقى حزب العمال السلاح، وكيف سيكون رد فعل «قسد»، لكن بالتأكيد سوف يضعف أكراد سوريا في مواجهة تركيا والحكومة السورية الجديدة، وسيضطرون لتقديم تنازلات، كما أن أكراد جبال قنديل في العراق لن يستطيعوا البقاء وحدهم ولا بد لهم من الانخراط في العملية السلمية.
0 تعليق