ما غاب عن بيان القمة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. علي محمد فخرو

لقد استمع الملايين للبيان الختامي للقمة العربية الذي، بدون شك، أبرز تقدماً ملحوظاً في لهجته وجدية اعتراضاته على الممارسات الإسرائيلية المجنونة الإجرامية في سائر فلسطين وسائر لبنان، ومؤخراً في سائر سوريا. وكان موقف المجتمعين من الشطط الخطابي الذي تلفّظ به الرئيس الأمريكي موقفاً رافضاً وقاطعاً.
ومع ذلك فمّما لا شك فيه أنه كان في كثير من جوانبه أقل من آمال ومواقف الأغلبية من أفراد الشعوب العربية. لكننا سنترك إبراز النواقص للكُتاب والمعلّقين الآخرين وسنركز الانتباه على جانب مفصلي من جوانب النقص في محتوى البيان. هذا النقص نوجزه في صورة سؤال، الذي إن بقي من دون جواب فسينقلب كل ما جاء في البيان إلى خطاب نظري اعتراضي معلّق في الهواء السياسي العربي، ولن تهتم به إسرائيل ولا الولايات المتحدة.
السؤال هو ما يلي: أما كان ضرورياً أن يذكر البيان بعضاً مما سيقوم به المجتمعون في حالة رفض السلطات الاستعمارية المحتلة الإسرائيلية من جهة ونظام الحكم الأمريكي من جهة أخرى لكل أو لغالبية ما جاء في البيان العربي؟
هل الاحتلال الإسرائيلي الذي رفض عبر أكثر من ثلث قرن كل التنازلات الفلسطينية في كل اجتماعات مفاوضات أوسلو، والذي كلما تنازل الفلسطينيون عن حق أو جزء مما بقي من وطنهم تقدم بطلبات تنازلات جديدة أخرى، والذي بنى المستعمرات لأكثر من مليون مستوطن في الضفة الغربية وما زال يبني ويتوسع ويهدم ويشرد... سيقبل ما جاء في البيان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة حتى ولو كان على أقل من عشرين في المائة من أرض فلسطين العربية التاريخية؟
هل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعطى إسرائيل في فترة حكمه الأولى مدينة القدس وأرض الجولان السورية، والذي صرّح مؤخراً بأن لإسرائيل الحق في ضم الضفّة الغربية لممتلكاتها المسلوبة من شعب فلسطين، والذي صرح من دون حياء بموافقته على أن يهجر الكيان أهل غزة إلى المنافي وموافقته منذ بضعة أيام على حق إسرائيل في إغلاق المعابر إلى غزة وإبقاء شعبها جائعاً مريضاً نائماً في العراء... سيقبل إعطاء الفلسطينيين حتى ولو جزءاً يسيراً من الحقوق التي ذكرها البيان؟
وبالطبع فإن جميع الأسئلة التي ذكرنا ستنطبق على كل ما جاء في البيان بشأن لبنان وسوريا، بل بشأن كل شبر من الوطن العربي المهدّد والمستباح من قبل الاستعمارين الإسرائيلي والأمريكي. ونحن لن نذكر الاستعمار الأوروبي، لأنه تابع وغير مستقل ومسلوب الإرادة.
مرة أخرى نسأل: أما كان ضرورياً ذكر، على الأقل، بعض الخطوات التي ستتخذها المجموعة العربية كجواب على رفض هاتين الجهتين المتحكمتين في الموضوع الفلسطيني وفي كل المواضيع التي مسّها البيان.
هل كان كثيراً أن يشار إلى إمكانية اتخاذ خطوات رادعة في حال رفض المبادرة العربية؟هل كان كثيراً أن يشار إلى إمكانية تفعيل المقاطعة الاقتصادية والرياضية والفنية والسياحية حيثما وجدت؟
هل كان كثيراً أن يشار، ولو بالتلميح، إلى إمكانية تأثر المصالح الأمريكية إن استمرت أمريكا في مواقفها المنحازة كلياً ومن دون أي تحفظ إلى المصالح الإسرائيلية على حساب الشعب الفلسطيني، بل وسائر شعوب الأمة العربية؟ ويشار في نفس الوقت إلى قرار تفعيل الكتلة العربية – الإسلامية لتلعب دوراً بشأن ذلك؟ بل ويشار إلى التحالف مع الدول الأمريكية الجنوبية ومع جبهة بريكس لمواجهة التحالف الأمريكي - الإسرائيلي؟
نحن هنا نتكلم عن البدء بممارسة الفعل المقرون إلى أبعد الحدود بالكلام النظري الاحتجاجي الذي قالت عنه الجهتان الظالمتان مراراً إنه سيظل كلاماً لا تأثير له على تغيير الواقع.
لا نريد للبيان الختامي أن ينطبق عليه ما قاله نورمان شوارزكوف من «أن الحقيقة أننا دوماً نعرف صحة ما علينا فعله، ولكن المشكلة أننا لا نقوم بالفعل». ولا أن ينطبق علينا ما قاله سيدني هاريس من «أن التأسف على الأشياء التي قمنا بها سيختفي مع مرور الوقت، لكن التأسف على الأشياء التي لم نقم بها هو الذي لا يزول».
هذه أمة لديها الكثير الكثير من الإمكانيات والثروات والمواقع التي تجعل الدفاع عن حقوقنا وكرامتنا ممكناً، متى توفرت الإرادة. لنفعل ما قاله توماس أديسون: «لو أننا قمنا بكل ما نستطيع القيام به لفاجأنا أنفسنا». وعند ذاك سندرك صحة ما قاله ت.ه.هكسلي: «أعظم نهاية للحياة ليست المعرفة، وإنما الفعل».
نأبى أن نكون أمة الجلوس على جوانب الطرقات. هذا ما نحتاج أن نعيه، وما نعلم يقيناً أنه بدأ ينغرس في كيان كل شابات وشباب العرب وهم يتحسّسون رؤى المستقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق