د. ناجي صادق شرّاب
منظمة التحرير من القضايا الرئيسية التي تحدد مستقبل السياسة الفلسطينية، وجاء تكوينها في سياق التطور التاريخي للكيانية الفلسطينية ابتداءً من اللجنة العربية عام 1936 ثم حكومة عموم فلسطين بعد النكبة، وحرب 1948 وسقوط القرار الأممي رقم 181 الذي دعا لقيام الدولتين اليهودية والدولة العربية، فقامت إسرائيل الدولة ولم تقم فلسطين الدولة، بل إن إسرائيل ذهبت لما هو أبعد بالسيطرة واحتلال الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية وصولاً إلى اليوم وسيطرتها الكاملة على الأرض الفلسطينية.
وفى سياق النضال من أجل الكيانية والهوية الفلسطينية بعد مرحلة من التشتت ودمج الضفة الغربية بالأردن ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية تم إنشاء منظمة التحرير عام 1964 من قبل القمة العربية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والمجسد لهويته. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المنظمة هي الناطق والمتحدث الرسمي باسم الشعب الفلسطيني. ولعل أبرز التطورات التي شهدتها المنظمة أولاً سيطرة حركة فتح على رئاستها ومؤسساتها بمشاركة فصائل فلسطينية أخرى. ولعل ما يميز المنظمة هو تشكيل بنية سياسية ومؤسسات تابعة لها لإدارة الشؤون الفلسطينية في الداخل والخارج، وأُنشئ المجلس الوطني كسلطة تشريعية منتخباً من كل الفصائل ولجنة تنفيذية بصفتها حكومة فلسطينية.
ولعل المحطة المفصلية الثانية في تاريخ المنظمة هي توقيعها على اتفاقات أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية وانتقال المنظمة إلى الداخل، ولهذا دلالات سياسية عميقة بعيدة في عملية التمثيل حيث اعترفت بإسرائيل وبالمقابل اعترفت إسرائيل بها. ومع نشوء السلطة الفلسطينية بمؤسساتها التشريعية والحكومة بدأت عملية التحول في السلطة من المنظمة للحكومة الفلسطينية. ورغم فقدان المنظمة الكثير من سلطاتها وفاعليتها، لكنها بقيت محتفظة بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بحكم تمثيلها للداخل والخارج الفلسطيني.
والمحطة الثالثة المفصلية في تطور المنظمة وشرعية تمثيلها جاءت مع سيطرة حماس على السلطة في غزة وانقلابها عليها وتشكيل حكومتها وسلطتها عام 2007 لتبدأ أسوأ مراحل التطور السياسي نحو فشل قيام الدولة وإنهاء الاحتلال. وخطورة الانقسام لم يقتصر على تجزئة السلطة والحكومة، بل امتد على شكل صراع على التمثيل وأحقية شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني، وهو ما يمس كيانية ومبرر وجود منظمة التحرير لتبدأ المبادرات والمحاولات لتشكيل بديل للمنظمة بدلاً من إصلاحها. وخطورة الانقسام الذي تحول لحالة انفصال سياسي أن حماس ومعها الجهاد ليستا ممثلتين في منظمة التحرير الفلسطينية.
ومحاولة عقد مؤتمر وطني للحوار والذي عقد في الدوحة يشكل مرحلة أخرى للتأصيل أو البحث عن بديل للمنظمة تحت مبررات الإصلاح السياسي للمنظمة، وهنا الدعوة لإصلاح شامل يطول كل بنية المنظمة. ويبدو أن هناك نوايا غير ما يطرح من آراء ومبادرات.
وهنا لابد من طرح بعض الملاحظات المهمة: الأولى، على الرغم من فقدان المنظمة لدورها الفاعل فلا بديل آخر لها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. والبديل الوحيد لها هو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعندها يمكن أن تتحول لشيء آخر كالمؤتمر العام لكل فلسطين. وبناء عليه فإن الإعلان عن مرحلة الدولة الفلسطينية وإن كانت غير مكتملة السيادة لكنها تحمل صفة الدولة المراقب أو الدولة غير كاملة العضوية فإنه يفترض مراجعة دور المنظمة وعلاقتها بالدولة ومؤسساتها القائمة.
فالمنظمة كانت تقوم قبل ذلك بوظائف الدولة، أما اليوم فتوجد إشكالية العلاقة بين استمرارية المنظمة بدورها ووظيفتها التقليدية وبين الإعلان عن الدولة الفلسطينية التي يفترض أن تتحول كل المؤسسات لتحمل هذا المسمى، أما بقاء المنظمة بنفس هيكليتها ومؤسساتها فقد يخلق ازدواجية وإشكاليات كبيرة. والملاحظة الثانية أن المنظمة تقوم في هذه المرحلة بكل الوظائف التي تقوم بها الدولة ولها مؤسساتها ووكالاتها وموظفوها.
والملاحظة الثالثة أن حالة الانقسام تطورت إلى حالة من الانفصال السياسي والصراع على التمثيل ومن الأحق في التمثيل. من هنا جاءت الدعوات كمحاولة بديلة للبحث عن بديل للمنظمة كممثل شرعي ووحيد، والخطورة في هذه الدعوات هو التشكيك في أحقية المنظمة في تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
والملاحظة الأخيرة هي الحاجة لإصلاح المنظمة وتفعيل دورها كي توفر الإطار التمثيلي والشرعي الكامل الحاضن لكافة فئات الشعب الفلسطيني وفصائله، وبعدها يعتبر أي بقاء خارج المنظمة غير شرعي.
ونعود للسؤال: هل ما زالت هناك حاجة للمنظمة؟ الأساس في التمثيل هو الدولة وليس أي كيانية سياسية أخرى كمنظمة أو غيرها، على أساس أن الدولة تعتبر أعلى المؤسسات السياسية وما دونها لا يحق له التمثيل. ولكن السؤال الآخر: هل لنا دولة فلسطينية قائمة ومستقلة كاملة الأركان، فالدولة الفلسطينية الحالية هي دولة مراقب في الأمم المتحدة، ولها تجسيد في الداخل لكن تنقصها السيادة الكاملة على أرضها بسبب الاحتلال الإسرائيلي. فهل يمكن الإعلان الصريح عن قيام الدولة الفلسطينية وإلغاء ما قبلها، هذه هي الإشكالية الكبرى التي تواجه العلاقة بين الحاجة للمنظمة وبقائها واستمراريتها كممثل شرعي ووحيد ومجسد للهوية الوطنية والإعلان الصريح عن الدولة الفلسطينية، لأن إعلان الدولة المستقلة كاملة السيادة يصطدم ب«الفيتو» الأمريكي الإسرائيلي.
[email protected]
0 تعليق