دبلوماسية المعادن النادرة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إن الجدل الدائر حول فرص توقيع اتفاق المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، بعد الذي جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس من ناحية والرئيس الأوكراني فولوديمير زلينيسكي من ناحية أخرى، يؤكد أن إدارة ترامب ماضية في نهج مغاير تماماً لنهج إدارة بايدن تجاه الحلفاء. هذا النهج كان ترامب واضحاً فيه حتى في ولايته الأولى. وربما يكون الأمر قد أخذ منحى أكثر صرامة في ولايته الثانية.
المسألة المركزية في هذا النهج هي «أمريكا أولاً». ولكي تظل أمريكا محافظة على عظمتها طبقاً لمصطلحات ترامب، فإن عليها أن تمتلك كل عناصر القوة التي تمكنها من ذلك. ومن بين هذه العناصر المعادن النادرة. والتي يطلق عليها أحياناً صفة الحرجة. هذه المعادن يبلغ عددها في أوكرانيا 22 من أصل 34 معدناً حسب تصنيف الاتحاد الأوروبي، و20 من أصل 50 حسب التصنيف الأمريكي. كما أن هذا الجدل يشير إلى تنامي أهمية المعادن النادرة في معادلات العلاقات الدولية.
الصين أصبحت على رأس الدول التي تمتلك تلك النوعية من المعادن، كما أنها وغيرها من الدول التي باتت تبحث عنها في أصقاع مختلفة من الأرض. وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بعد الصين. لكن الفارق بينهما شاسع. هناك خشية أمريكية متزايدة من استمرار الهيمنة الصينية على هذه المعادن، خاصة وأنها باتت تدخل في صناعات مهمة للغاية. كما أن الصين يمكنها أن تستخدم ورقة المعادن تلك في إطار تصديها للسياسة الأمريكية التي تستهدفها على أكثر من صعيد.
ليست الولايات المتحدة والصين وحدهما من ينافسان على إنتاج المعادن النادرة. حيث إن دولاً أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما تضع على رأس أولويات سياستها الخارجية حيازة القدر الكافي من هذه المعادن التي تحتاج إليها صناعاتها من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية حتى تقلل من درجة اعتمادها على دولة بعينها فيما يتعلق بإمدادات هذه المعادن. ومن ثم تكون المسائل المتعلقة بتلك المعادن حاضرة بقوة على جداول أعمال كبار المسؤولين عندما يستضيفون مسؤولين من الدول الغنية بتلك المعادن أو يحلّون ضيوفاً عليهم.
هذه المساعي الحثيثة بحثاً عن استغلال المعادن النادرة من قبل الدول المذكورة وغيرها تطرح الكثير من القضايا والتساؤلات، منها ما يتعلق بالعلاقة بين التنافس الاستراتيجي العالمي وهذه المعادن. وإذا كانت الصفقة بين واشنطن وكييف بخصوص هذه المعادن تأتي في إطار البحث عن تسوية لنزاع عسكري مستمر منذ ثلاث سنوات، فهل من الممكن أن تكون هذه المعادن من بين عوامل إشعال نزاعات عسكرية مسلحة في المستقبل؟ ومن بين ما يمكن أن يثار أيضاً عدالة الصفقات والعقود التي يمكن أن تبرم أو تعقد بين دول متقدمة تمتلك المال والتكنولوجيا وأخرى فقيرة معدمة رغم امتلاكها لاحتياطات من هذه المعادن.
ربما يكون العالم في حاجة لإطار تنظيمي فاعل معني بالتعامل مع هذه النوعية من المعادن. بحيث تكون هناك قواعد واضحة وممارسات شفافة لا تحرم أطرافاً من مزايا تمتلكها بسبب ظروف خارجة عن إرادتها. ومن أجل استمرارية انتظام سلاسل التوريد حتى في ظل وجود خلافات سياسية واختلالات استراتيجية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق