أزمة تايوان.. ثالثة الأثافي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا تخفي المناورات العسكرية واسعة النطاق التي أجراها الجيش الصيني حول جزيرة تايوان أزمة أمنية تتشكل بالتدريج في جنوب شرقي آسيا، وتهدد بتفجير أكبر مما يحدث الآن في أوكرانيا والشرق الأوسط، ربما لتكون هذه الأزمة المفترضة ثالثة الأثافي التي ستدفع بالوضع العالمي إلى درجة الغليان.
في ختام المناورات الضخمة، قال الجيش الصيني إنه لن يتخلى أبداً عن خيار «استخدام القوة» لاستعادة تايوان، وفي اليوم التالي كان عدد قياسي من المقاتلات الصينية يطوق الجزيرة، وأثار مزيداً من القلق والتوتر لدى المسؤولين التايوانيين وحلفائهم الأمريكيين واليابانيين، بينما يبقى السؤال المحرج على صلة بتوقيت هذا التصعيد المتدحرح وأهدافه، في وقت ينشغل فيه العالم بالحرب الأولى الناشبة في أوكرانيا والثانية المتوسعة في الشرق الأوسط، وسط عجز تام عن وقف هذه أو تلك، سواء كان ذلك على مستوى الموقف الأمريكي المنحاز بشكل مطلق إلى كييف وتل أبيب، أو على مستوى الأمم المتحدة، التي لم تعد بياناتها وقراراتها تختلف عن الوثائق التأريخية للأحداث، بينما ذراعها مجلس الأمن مغيب ومشلول ولم تعد له حظوة أو سطوة.
تسخين الوضع في جنوب شرقي آسيا له معانٍ ودلالات، منها أن العالم بات يعاني سيولة سياسية وأمنية خطيرة، في ظل انهيار منظومات القانون الدولي ومؤسساته بفعل ما يتعرض له من انتهاكات واستخفاف وغياب للمساءلة والعقاب، وهو ما ترسخ في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. وهذا الوضع له تداعيات كبيرة على مستوى العلاقات الدولية، إذ يحل منطق قانون القوة بدل قوة القانون، وهذه الحالة شهدها العالم وعاشها عشية الحربين العالميتين الأولى والثانية في النصف الأول من القرن الماضي، وما يدور منذ سنوات في مناطق كثيرة يقارب الوضع القديم، وكأنه يمهد لصراع شامل لا يرى البعض غضاضة في تسميته الحرب العالمية الثالثة، التي تحذر منها الدول الكبرى وتستعد لها ببناء التحالفات وإنتاج أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً.
وضمن هذا السياق لم يكن مثيراً إجراء حلف شمال الأطلسي «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة مناورات نووية كبرى، رداً على مناورات أخرى أجرتها قبل فترة روسيا والصين مجتمعتين. ومثل هذه المناورات، التي تمثل تدريباً وتأهباً، ليست بلا أهداف، وإنما تمهد لتعميق أزمة هذا النظام الدولي المتهاوي.
واقع الحال يؤكد أن كثيراً من القواعد في العلاقات بين الدول تنهار، وأن كثيراً من القيم، مثل العدالة والسيادة الوطنية وحقوق الشعوب في الأمن والكرامة والتضامن الإنساني، تُقتل ولا من يبكي عليها، ويكاد العالم يتحول إلى حظيرة واسعة للصراع بفعل استشراء السياسات العدائية بين دول كبرى يفترض أنها مسؤولة عن استقرار العالم. وما يمكن أن ينفجر بين الصين وتايوان، قد يكون نتيجة لكل ما سبق مما جرى في أوكرانيا واستفحل في الشرق الأوسط. والعالم الذي أعيته حربان يمكن أن تدمره الثالثة، إلا إذا انتصرت العقلانية وحدثت المعجزة قبل الانزلاق إلى الهاوية.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق