ثقافة الأوضاع في الميزان - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هل تسمح بطرح موضوع محرج مزعج معاً؟ لا عليك، فليكن كجلمود همّ جرّه الوضع للعرب. لا توجد في هذه الحقبة الحساسة قضية أشدّ حراجة من قضية وضع ثقافتنا في الميزان. ما مفهوم الثقافة حين يصدح شخص، بتهديد ووعيد: «سأغيّر خريطة الشرق الأوسط»، وفي المقابل همهمات تبين عن لسان حال أربعمئة مليون: «كيف سيكون شكل المنطقة بعد التغيير؟».
الثقافة العربية لم تجد في الثماني عشرة سنة الماضية، ولا حتى هنيهةً لعكوف البال، على ما تعنيه كونداليزا رايس برومانسية كلماتها: «تلك آلام مخاض الشرق الأوسط الجديد». يا للخيبة، فالشعر العربي لم يكلّف نفسه مثقال ذرّة إبداع، يستقبل بها فراشُ الأمّة الذي سيزدان بمولود بهيّ الطلعة منير المحيّا، فيتفاءل بمقدمه الملايين، لعل المعجزة الكلثومية تتكرر، فنرى الرضيع، وقد بلغ الفطام، تخرّ له الجبابر.
لا تقل للمناهج: لكِ يا مناهج في القلوب لواعجُ.. أقفرتِ أنتِ وليس منك مباهجُ. ما نراه اليوم قضية ثقافية قطعاً، وعلى التربويين والمفكرين والمثقفين والفنانين، قبل السياسيين والاقتصاديين، أن ينظروا في عللها وأدوائها بجدّ. حين نجمع جميع المعنيين بالوعي العام، نرى مشهداً أقرب إلى الملهاة منه إلى المأساة. من كان يتصور أن طلاّب الجامعات الغربية، في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، وعيهم وضمائرهم، في ذلك المستوى من التوقد؟ هل يجوز أن تكون الحاضنة أرأف من الأم، والقدر أسخن من الحساء؟ لا شك في أن الظروف والملابسات الجيوسياسية والجيوستراتيجيّة لم تعد مساعدةً على استعراض العنتريات.
لا يستطيع عاقل أو مجنون أن يقامر في معطيات الواقع الدولي، بأن بيت عمرو بن كلثوم: «ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا.. وماء البحر نملؤه سفيناَ»، كافٍ لمواجهة سبعمئة وخمسين قاعدةً أمريكيةً. لكن، من الاستهانة بمنظومة قيم الأمّة وإيمانها بقوة الحق، توهّم أن غطرسة الأقوياء برهان قاطع على ضرورة تسليم مفاتيح الأوطان. الشعوب، بكرامتها وسيادتها وأمانة تاريخها وميراث حضاراتها، وإشعاع ثقافتها، هي الجاذبيّة المركزية في أمنها الوطني والقومي.
وهذه هي القوة الانصهارية التي لا يمكن إخضاعها بعصا الهيمنة. رحم الله ذلك الشاعر اليوناني أو البيزنطي، ابن الرومي، الذي انصهر في الحضارة الإسلامية، ليتجلى بلسان عربي مبين: «ولي وطن آليت ألاّ أبيعهُ.. وألاّ أرى غيري له الدهرَ مالكاَ».
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: بيت ابن الرومي جدير بأن تبنى عليه كل موادّ المناهج. بعبارة أخرى: الأوطان لا توضع في الأسواق والبورصات.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق