اتساع الفقر تهديد عالمي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما تستقطب الأزمات السياسية والصراعات العسكرية اهتمام المجتمع الدولي، مع تسجيل أعلى عدد من النزاعات المسلحة منذ الحرب العالمية الثانية، تنشأ على ضفاف ما يجري جوائح وظواهر شديدة الخطورة، ربما تكون تداعياتها وتأثيراتها أسوأ من الحروب التي عطلت خطط التنمية ومقومات النهوض اقتصادياً واجتماعياً، وتهدد بمزيد من التأزم على الصعيد العالمي.
من الظواهر الناشئة في السنوات الأخيرة الزيادة الكبيرة في نسب الفقر والمجاعات وتدهور الأمن الغذائي والجريمة المنظمة والانفلات السيبراني واللجوء والهجرة غير المنظمة، وكلها معضلات لم تعد تلقى من الاهتمام ما تستحقه بسبب انخراط أغلب الدول الفاعلة إما بالتورط في هذه النزاعات وإما بمحاولات إطفاء حرائقها.
ووفق هذه المعادلة، فإن أغلب الجهود مستنزفة على حساب المساعي المفترض أن تُبذل لإصلاح مناحي التنمية والمستلزمات الملحّة للحياة والعيش لكل الشعوب. وبالنتيجة فإن تأزم الأوضاع سيفاقم الصراعات ويفجر نزاعات إضافية بما قد يهدد أسس الأمن العالمي بمفهومه الشامل.
قبل أيام قليلة، ذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أكثر من مليار شخص، من أصل نحو ثمانية مليارات هم عدد سكان الأرض، يعانون الفقر الحاد، وتقيم أغلبية أفقر الفقراء، أي 83 بالمئة منهم، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، حيث تبدو معدلات الفقر هناك كبيرة وإن كانت أقل سوءاً من الدول التي تشهد حروباً، لكن أوضاع تلك المجتمعات لها قابلية للانجرار إلى النزاعات مع جيرانها على أسباب الحياة التي تتآكل بفعل اختلال الموازين بين زيادة السكان ونقص الموارد المحلية وفقدان الدعم الخارجي.
ما يعرضه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يحتوي نسباً صادمة تشير إلى أن وضعاً مسكوتاً عنه يتشكل بعيداً عن الأضواء المسلطة أساساً على الصراعات الجيوسياسية الناشبة في أكثر مكان، وأهمها ما يدور في أوروبا جراء الأزمة الأوكرانية، وما يتفاعل في الشرق الأوسط منذ أكثر من عام جراء العدوان الإسرائيلي على غزة.
المؤشرات المتعلقة بالفقر تتصل بظواهر أخرى كتفشي المجاعات والأوبئة والأمراض وعدم استقرار المجتمعات بسبب ندرة الغذاء وتعذر الخدمات مثل الإسكان والصرف الصحي والكهرباء والمياه النقية والتعليم، وصولاً إلى ارتفاع مؤشرات الفساد، وكلها عوامل تبعث على القلق والتخوف من الآتي. وإذا ما بقيت الصراعات المشتعلة من دون حل وغاب التضامن الدولي الفعال، فإن هذه الحروب الدائرة ستترك تأثيرات أسوأ مما سببته إلى الآن.
والفقر الذي ينتشر في أكثر من بلد وقارة، وتتغير معاييره بفعل التطورات الجارية، سيكون أحد التحديات التي ستواجه البشرية في العقود المقبلة، لأنه عنوان جامع لكل ما دونه من معضلات.
فقديماً كان الفقر ونقص الماء والغذاء من دوافع تفجير الحروب، واليوم، وفي ظل الأوضاع الراهنة، فإن انتشار الفقر واتساع دائرته ومظاهره، بات تهديداً استراتيجياً للمجتمع الدولي، وهو ما يفرض على جميع الأطراف الفاعلة أن تتيقظ وتسارع إلى إصلاح ما أمكن من آليات العمل الدولي، فالحرب على الفقر لا تستدعي تجييش الجيوش والترسانات العسكرية الضخمة، بل تتطلب إرادة صادقة وتضامناً خالصاً، فبقدر ما في العالم من مشاكل وأزمات، لديه ما يكفي من موارد وإمكانيات لكسب المستقبل وتأمين حياة الأجيال المقبلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق