العطاء هو لغة القلوب الصافية ونبض الحياة الذي يربط بين البشر دون كلمات، إنه تلك اليد الممتدة لإزالة ألم، أو تلك الكلمة التي تشفي جراح الروح، أو الوقت الذي نقدمه دون حساب لرسم البسمة على وجوه الآخرين. لكنه أيضاً قيمة تحتاج إلى وعي عميق، لأن العطاء دون تمييز قد يترك صاحبه في دوامة من الألم النفسي والشعور بالخسارة.
كم مرة شعرت بأنك منحت دون أن تجد مقابلاً؟ قد تكون قدمت جهداً، وقتاً، أو حتى جزءاً من مشاعرك لشخص لم يُعِر ذلك أي اهتمام، ليس من السهل أن ترى عطاءك يُقابل بالجحود أو الاستخفاف، إنها لحظات قاسية تجعلك تعيد التفكير في مفهوم العطاء نفسه، هل يجب أن أعطي؟ لمن أعطي؟ وهل يستحق الجميع هذا العطاء؟
هناك أشخاص يأخذون العطاء كأمر مفروغ منه، وكأنه واجب مفروض عليك، هؤلاء لا يقدرون ما يحصلون عليه، بل قد ينظرون إليه كحق مكتسب، إن التعامل مع مثل هؤلاء قد يترك أثاراً نفسية عميقة على المانح، حيث يبدأ بالتشكيك في قيمته الذاتية، فعندما تُختزل قيمة الإنسان فيما يقدمه للآخرين فقط، تتحول العلاقة إلى استنزاف عاطفي ونفسي يدمر روحه تدريجياً.
لكن الحقيقة أن العطاء ليس مجرد فعل مادي أو معنوي، بل هو علاقة متبادلة، حيث إن المانح يجب أن يشعر بأن عطاياه تجد صدى في قلوب من يتلقاها، لأن هذا التقدير هو ما يضفي على العطاء جماله ومعناه، ليس من الأنانية أن تسأل: «هل هذا الشخص يقدّر ما أقدمه؟» بل هو ضرورة للحفاظ على توازنك العاطفي والنفسي.
العطاء الحقيقي هو الذي يُزرع في أرض خصبة تُنبت شكراً واحتراماً، وصحيح أن العطاء كله لوجه الله وابتغاء مرضاته ولكن أيضاً يحتاج إلى توجيهه لمن يحتاج إليه ويقدره.
من المهم أن نتعلم قيمة الاحتفاظ بشيء لأنفسنا. العطاء يجب أن يكون متوازناً، يمنحك القوة والفرح بدلاً من أن يُثقل كاهلك ويستنزف طاقتك. تذكر أن ما تحتفظ به لنفسك ليس أنانية، بل هو وقودك للاستمرار في العطاء بوعي وحكمة.
في النهاية، العطاء هو وسيلة للتعبير عن إنسانيتنا، ولكنه ليس واجباً مطلقاً لكل من يطلبه، عندما تجد من يقدر عطاءك، تشعر بأنك قد زرعت بذور السعادة في مكانها الصحيح، أما إذا منحته لمن لا يستحق، فأنت تخسر مرتين: ما أعطيته، وجزءاً من نفسك.
اجعل عطاءك ذكياً وموجهاً، وامنحه لمن يعرف قيمته، ليظل العطاء مصدراً للسعادة والرضا.
0 تعليق