د. علي محمد فخرو
هل هي صدفة أن يبدأ سعر النقد الديجيتالي، بيتكوين، بالارتفاع لتصل قيمة الوحدة منه إلى مائة ألف دولار أمريكي، وذلك مع نجاح دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة وبدء عهد يميني أمريكي مرشّح لأن يكون مليئاً بالأزمات؟ لنتذكر أن قيمة وحدة البيتكوين كانت عند بدء انطلاقة هذا النقد الجديد منذ عشرين سنة تقريباً ثلاثة عشر دولاراً فقط، وأنها كانت منذ عشر سنوات تصل إلى نحو الألف دولار فقط.
فهل نحن بصدد ما كتبه أستاذ جامعي أمريكي سنة 2016 في كتيّبه المعنون: «نظام بيتكوين السياسي» عندما ربط مجيء هذه العملة التكنولوجية الوهمية بصعود اليمين في المجتمعات الغربية الرأسمالية؟ عند ذلك فسّر مجيء وصعود مختلف العملات الوهمية، وعلى الأخص البيتكوين، على أنه خطوة يمينية من أجل تحرير النقد العادي من أي تنظيم أو سيطرة من قبل الحكومات والمؤسسات البنكية التابعة لها. ذاك النقد الوهمي كان تابعاً لعالم التكنولوجيا الذي بدوره كان يتغيّر بصور مذهلة، وبالتالي تصعب السيطرة عليه.
وليس هنا مجال الدخول في التفاصيل المعقدة لنظام البلوك شين (Blockchain) الديجيتالي الذي ارتبط به نقد البيتكوين أشد الارتباط من أجل أن تبقى صورة النقد الجديد غامضة، ولكن جذّابة في نفس الوقت للمضاربة بها.
ما يهمنا طرحه هو إن كانت التلاعبات والمضاربات بالنقد الوهمي هذا ستكون مقدمة لما ينوي دونالد ترامب فعله من تغييرات في العلاقات التجارية الدولية، ضدّ قرارات مجموعة «بريكس» الأخيرة للخروج من سيطرة الدولار، وبالتالي من سيطرة النظام المالي الأمريكي، على كل العلاقات النقدية العالمية. وهل دول البترول سيتم دفعها بالقوة والابتزاز نحو الدخول في لعبة البيتكوين القادمة؟ وهل هذه الدول تهيئ نفسها مجتمعة لتتجنب مصائب ما قد تأتي به لعبة اليمين في الغرب الرأسمالي؟
لكن مجيء دونالد ترامب بالنسبة لنا كعرب، لن تقتصر مفاجآته على ساحة النقد والتجارة، بل ستمتد إلى ساحات السياسة في الوطن العربي كله، وخصوصاً بالنسبة للموضوع الفلسطيني. فالتعيينات الجديدة في الحكومة الأمريكية الجديدة أصبحت تفاجئنا يومياً بمواقف وأفكار وأهداف ترمي إلى مزيد من السيطرة الأمريكية على مصائر المنطقة.
في هذه اللحظة، لحظة حكم الحزب الديمقراطي الأمريكي والرئيس جو بايدن، هناك نفوذ وهيمنة أمريكية بقوة في المنطقة. لكن ذلك الوجود والنفوذ والتأثير سيتضاعف عند مجيء شخصية مثل ترامب تتعامل بالسياسة مثل التعامل بالتجارة والعقارات والصفقات، وهو ما شرحته عشرات الكتب التي صدرت وحللت شخصيته.
الآن نرى أمام أعيننا أن أمريكا تهيمن على الأوضاع المتردية في فلسطين ولبنان والسودان واليمن وليبيا وغيرها، ولها فيها الكلمة الفصل في تخفيف الأزمات أو في تفجيرها أكثر وأشد عندما يخدم مصالحها.
لكن تلك الشخصية الأمريكية لن تكتفي بذلك، إنها تتكلم عن الدخول في ساحات الدين والتعليم والثقافة برفقة إسرائيل لتخلق ما تسميه الشرق الأوسط الجديد، ويتباهى نتنياهو بقرب تحققه في كل أرض العرب.
إذاً، إن المنطقة العربية والإسلامية ستكون في مقبل الأيام بمواجهة لرياح عاصفة، على الأقل طوال السنوات الأربعة القادمة، فهل ستتحرك لإعداد بلدانها وشعوبهم لمواجهة ذلك الطوفان، أم أننا، وكالعادة مع الأسف، سننتظر حتى تنفجر الأمور في وجوهنا؟
لا توجد أهوال في الدنيا لا يمكن مواجهتها ودحرها إن وجدت الإرادة السياسية المشتركة وقامت هي الأخرى بتجييش الشعوب، وعلى الأخص شابات وشباب تلك الشعوب.
0 تعليق