في عالم مملوء بالتحديات والصراعات، تبرز الحاجة إلى تنشئة أجيال قادرة على التفاهم والتعاطف مع الآخرين.
وهو ما يقودنا نحو ما يعرف بالتربية التعاطفية، وهي ليست ترفاً تربوياً، بل ضرورة ملحة لبناء مجتمع أكثر إنسانية وتماسك، إنها العملية التي يعلم فيها الأطفال كيف يشعرون بآلام الآخرين، ويفهمون مشاعرهم، ويتصرفون بناء على قيم الرحمة واللطف.
كما هو معروف فإن كل طفل يولد بقلب نقي، جاهز لامتصاص ما يقدم إليه، لكن هذا القلب الصغير يحتاج إلى من يرعاه ويوجهه، عندما يشاهد الطفل والديه، وهما يعطفان على مسن يعاني الوحدة، أو يساعدان جارهما الذي يواجه صعوبات، فإن هذا المشهد ينقش في ذاكرته درساً لا ينسى، أن الرحمة ليست مجرد كلمة، بل هي فعل يحمل في طياته قوة التغيير.
الأسرة وحدها ليست كافية للقيام بهذا الدور، المدرسة، عليها واجب كبير، حيث يكمل المعلمون هذه الرسالة، كأن يضع معلم يده على كتف طالب يشعر بالإحباط، أو أن يستمع بصبر لحديث طفل عن موقف محرج، هنا بداية لبناء جسر من الثقة بين الطفل والعالم من حوله.
المدرسة ليست مكاناً لتعلم القراءة والكتابة فقط؛ بل هي مصنع للقيم الإنسانية التي تبني أفراداً قادرين على فهم الآخرين، واحترام مشاعرهم، وتقدير اختلافاتهم.
التربية التعاطفية، ليست مجرد واجب أو أسلوب تربوي؛ إنها اختيار لبناء عالم مختلف، عالم لا تحكمه المصلحة أو المادة، بل تضيئه قلوب تعرف كيف تشعر بالآخرين، عندما نعلم أطفالنا أن ينظروا لما وراء الكلمات، أن يروا الدموع المخفية، وأن يصغوا للآلام التي لا تقال، نكون قد وضعنا حجر الأساس لجيل يبني جسور الرحمة حيث توجد الفجوات.
كل لحظة نقضيها في تعليم أطفالنا كيف يتفهمون، وكيف يحبون، وكيف يساعدون، هي لحظة ننقذ فيها جزءاً من إنسانيتنا المشتركة، لأننا عندما نربي طفلاً متعاطفاً، فإننا لا نصنع إنساناً واحداً فقط، بل نسهم في بناء مجتمع بأسره، يحمل في طياته شعلة الأمل التي لا تنطفئ.
أعظم دور لمؤسسات التعليم القيام بهذا الواجب، لأنها المجتمع الأول والفعلي للطفل، خارج منزله، وعندما يشاهد هذا المجتمع مثالياً وطموحاً وإنسانياً، فإن الإيجابيات العظيمة تتوالى في قلب وعقل هذا الطفل، وهذا يحتم على المشتغلين بصنع القرار في مؤسسات التعليم، القيام بإدخال هذه القيم وتأسيس حوكمة لتنفيذها.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق