عندما أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أنه سيعمل، عند توليه مهام منصبه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، على إطفاء الحروب والصراعات في المنطقة والعالم، وعندما بدأت ملامح هذه السياسة الجديدة، تظهر للعيان مع وقف إطلاق النار في لبنان، لم يكن أحد يتوقع أن هناك من يعمل على إعادة خلط الأوراق بمثل هذه السرعة التي يبدو أنها كانت معدة سلفاً.
لم يكن صدفة أن تعمد الفصائل الإرهابية المسلحة في شمال غربي سوريا إلى شن هجوم بهذا الحجم في تلك المنطقة، وأن تصل إلى مدينة حلب، بمعزل عمّا يجري في المنطقة، من دون أن تحصل على دعم خارجي، أو على الأقل، تتلقى ضوءاً أخضر بفتح حرب جديدة، قد يكون لها تبعات إقليمية ودولية شديدة الخطورة.
ومكمن الخطورة ناجم عن أن الفصائل المسلحة التي تقودها «جبهة النصرة»، والتي غيرت اسمها إلى «هيئة تحرير الشام»، وهي مصنفة «منظمة إرهابية» من جانب الأمم المتحدة، تدرك أن مثل هذا الهجوم يعصف بما يسمى بمناطق «خفض التصعيد»، ويهدد بتغيير خرائط النفوذ والسيطرة على الأرض، ويكسر معادلات وتفاهمات محلية وإقليمية ودولية، ظلت قائمة منذ اتفاق «سوتشي» عام 2020. وبالتالي فمن المرجح أن يُقابل بردود فعل متناسبة، من المؤكد أن نتيجتها واحدة، وهي اشتعال حرب دامية جديدة قد تشمل كل الشمال السوري، إذا ما امتدت إلى المناطق الكردية، التي باتت تستشعر الخطر، منذ الآن، وتخشى لاحقاً من إمكانية قيام إدارة ترامب بسحب القوات الأمريكية الموجودة في سوريا.
صحيح أن القوات الحكومية السورية فوجئت، وكذلك حلفاؤها، بهذا التحرك المباغت والسريع، لكن الصحيح أيضاً أنها لم تكن مستعدة بما يكفي، لمواجهة هجوم من هذا النوع، من الواضح أنه تم الإعداد له جيداً.
اللافت أن هذا الهجوم جاء مباشرة، بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان، وترافق مع تصريحات إسرائيلية تشدد على أن وقف إطلاق النار في لبنان لا يعني انتهاء الحرب، بالتزامن مع تصريحات أخرى تتحدث عن إمكانية لوقف إطلاق نار مماثل في غزة من دون وقف الحرب، ما يشي بأن إغلاق ملف الحروب في المنطقة، لا يزال بعيد المنال. بل على العكس، إذ يبدو أن المنطقة مقبلة على حروب جديدة، بما يؤدي إلى تغيير الخرائط والمعادلات، فهل معنى ذلك، أن المنطقة تتجه نحو شرق أوسط جديد، كان يجري الحديث عنه منذ سنوات طويلة، ويعاد طرحه الآن؟
المؤكد أن حديث الحروب هذا يتعارض، في الواقع، مع السياسة الجديدة، التي أفصح عنها ترامب، وهو ما يفترض طرح السؤال عمّا إذا كان هناك من يحاول الاستثمار في المرحلة الانتقالية للإدارة الأمريكية، التي تقول بدورها أنها فوجئت بالهجوم، وذلك بهدف خلق أمر واقع جديد أمام إدارة ترامب المقبلة. الواضح حتى الآن هو أن ملفات الحروب لم تغلق بعد!
0 تعليق