قلت للقلم: هل تظن أنني سأسمح لك بالغمز من قناة العقل العربي، وكأنه لا يستوعب دروس الماضي، فرسب في الامتحان مراراً؟ أتغمز من قناة قوم لديهم مئات القنوات الفضائية، حتى ولو لم تتفق اثنتان منها على كلمة سواء، ولو خواءً في الهواء؟
قال: لا تُسئ بي الظن، فكل ما لاح في أفق خيالي، هو أن تمديدات الفهم لدى العقل الكلّيّ العربي، يُقاس طولها بالفراسخ، وقال العارفون، بل بما بين خطبة تأسيس المنظمة العربية الأمّ، وبين آخر توصية لها بمواجهة التحدّيات، وما أدراك ما لا تعلمه عن التحديات.
هي ذي «رجعت شتوية» التحديات إلى سوريا. لكن عودتها ليست هي الداء الأدهى، فوراء هذه الأكَمة ألف ريبة في العقل بأنه أكْمه، أم على القلوب أقفال؟ ما أقسى إيلام فرية مكافحة الإرهاب، انطلت على العالمَيْن العربي والإسلامي، فلم يصرخ أحد: لن نسمح لذئاب المخططات، أدعياء الفكر والحرية والديمقراطية، باتهام الدين الإسلامي الحنيف، بأنه بؤرة تفريخ الإرهابيين المرتزقة. أولئك صنيعتكم أنتم، والإسلام براء منهم. وها هي خرائب العراق وسوريا وليبيا وغيرها، تشهد على حضارة الغرب، كما تشهد غزة ولبنان على إنسانية الحضارة الغربية وجدارتها بقيادة العالم.
قلت: ما يدعو إلى الدهشة، هو الأداء الروبوتي لهذه القطعان. حين انقضّوا على العراق وسوريا وليبيا، أكلوا الأخضر واليابس، كانوا كالجراد المنتشر، بل كاللهب المستعر، ثم لظروف أُخَر، أوقفوا تشغيل كل روبوت مفترس أشِر. انكفأوا في الجحور، فلا ديّار يدور. فجأةً دعت إلى صولاتهم التدميرية الحاجة، لا لإحياء علوم الدين، بل لإحياء الهجوم على الهويّة.
قال: ما أشبه الليلة بالبارحة، سوى أن المسيرة الحالية تلوح عكس سابقتها. في الأولى انطلقوا من العراق نحو اجتياح سوريا، اليوم، من الشام سينطلق الزحف نحو العراق. لكن العجب العجاب، هو كيف انطلت الأحابيل على النخب العربية منذ أوّل نعيق لغربان البين الداعشية؟ هل تذكر كيف تهافتت القارّات على البصم بالعشر على وثيقة مكافحة الإرهاب، واحتضان خدعة أن المرتزقة هم فعلاً أصحاب مذهب إسلامي متطرف عنيف؟
ذرّة عقل وفكر، وقطرة فهم وفطنة، كانتا كافيتين لانبثاق السؤال: ما لكم، كيف تحكمون؟ هل يُعقل أن يكون المذهب المزعوم إسلامياً، وصانعته هي الإمبراطورية؟ ألم تقل هيلاري في كتابها: «إنهم هم الذين أسسوا القاعدة وداعش»؟ اليوم بضغطة زرّ، عادت كل الروبوتات بأقصى تشغيل، ففي ثلاثة أيام سيطروا على أربعة آلاف كيلومتر.
لزوم ما يلزم: النتيجة الدعويّة: للمجرمين دعوة، لكن إلى نشر المقاصب والمقاصل للعرب والمسلمين.
0 تعليق