توقعات عادل إمام - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من محاسن السوشيال ميديا أنه أتاح لنا اكتشاف بعض الكنوز التي تختبئ في خبايا الماضي، ولن يكون سهلاً أو متاحاً للجميع الوصول إلى تلك الكنوز، لذلك نجد بعض الصفحات التي تبحث وتنبش في الأرشيف لتعرض ما فيه من أعمال أو حتى لقاءات وحوارات نادرة، وهكذا شاهدنا مقتطفات قصيرة من حوار تلفزيوني أجراه كل من طارق حبيب ومنى جبر عام 1974 مع النجم عادل إمام يسأله فيه حبيب عن رأيه و«شايف العالم ازاي في العام 2000؟»، ولقاء آخر لنفس المذيعين مع الراحل سعيد صالح ليتحدث هو الآخر عن رؤيته للفن عام 2000، والإجابات تحكي من هو عادل إمام.
الزعيم قال: «المواد الغذائية ستقل والعواطف ستكون محدودة، لأن كل ما المدنية بتكثر والناس بتكثر كل ما سبل الرزق بتضيق وكل ما العواطف بتقل، العواطف ستكون آلية، والفن سيكون ازاي؟ سيكون آلي أيضاً، بالمكنة ستكون مسألة ميكنة، الفن لا يكون موجوداً إلا بوجود العواطف، الإحساس بالعاطفة هو الذي يولّد الفن، الفن سيكون مختلفاً». أما الفنان سعيد صالح فكان متفائلاً ورأى أن الحياة تتطور بشكل جميل وأن المستقبل سيكون رائعاً والفن أيضاً، لأنه انعكاس لطبيعة الحياة.
ها نحن قد تجاوزنا ال 2000 ب 24 عاماً، وقد تغير العالم وسيطرت الآلة في كثير، بل في معظم الأعمال والمهن وفي الحياة عموماً، والآلة لا تعرف العواطف التي تحدث عنها إمام، والبرمجة والتقنيات لا علاقة لها بالمشاعر، كذلك ضغوط الحياة زادت والجوع تفاقم والسعي خلف لقمة العيش بات لهاثاً وسباقاً لا يتوقف.. ما يعني أيضاً أنه لم يعد هناك وقت ولا مساحة للمشاعر والعواطف، أما الفن فليس بأفضل حال، بل نكاد نبحث عن الأعمال التي تمس القلب والروح ويقتنع بها العقل كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.
صدقت توقعات عادل إمام، هو ليس عرافاً ولا منجماً، لكن كلامه يعكس مدى عمق تفكيره وحكمته ورؤيته الثاقبة للواقع والحياة.. ليس مجرد فنان تربع على عرش الكوميديا واكتفى بإرسال إشارات الضحك للناس، بل هو فنان ذكي جداً، قارئ جيد للحياة بتطوراتها وتقلباتها، نظرته المستقبلية واضحة وعميقة، وهو ما شهدنا عليه من خلال اختياراته لكل القضايا التي تناولها في أعماله، وقيل عنه وقتها إنه جريء وسبّاق في التطرق إلى قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية حساسة جداً وصحيحة جداً.
مر خمسون عاماً على ذلك الحوار التلفزيوني، الذي نتمنى مشاهدته كاملاً، خمسون عاماً أكد خلالها عادل إمام الساخر في أعماله، العميق في فكره وثقافته ووعيه، أن الفنان الحقيقي يعمل على تثقيف نفسه ليتحلى بالحكمة والوعي ويرى أبعاد الأمور والحياة.. قبل خمسين عاماً توقع أن تصبح العواطف آلية، وقد وصلنا إليها بالفعل، وأصبح الفن جامداً يمر على قشور الفكر والمشاعر ولا يلمس أي عمق فيهما، ونادرة جداً الأعمال التي تنبع من القلب لتلمس القلب.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق