لا تزال المقتلة في غزة على أشدها، إذ تنفذ إسرائيل عملية تطهير عرقي شاملة في شمال القطاع، عبّر عنها وزير الحرب الإسرائيلي السابق موشيه يعالون: إن إسرائيل «تقوم بتطهير عرقي في شمال قطاع غزة، ولم يعد هناك بيت لاهيا أو بيت حانون»، مؤكداً أن «الجيش الإسرائيلي يعمل على تطهير جباليا»، وأن سياسة حكومة نتنياهو في الضفة والقطاع تجرنا إلى الاحتلال والضم، مشيراً إلى أن هذه السياسة «تقود إسرائيل نحو الخراب».
هذه تُعد الشهادة الأقوى من مسؤول إسرائيلي سابق بهذا الوزن، إلا أن ذلك ليس جديداً بشهادة المنظمات الأممية التي أكدت مراراً وتكراراً أن تل أبيب تقود حرباً لا إنجاز فيها سوى القتل لأجل القتل، فهي تهدف إلى جعل سكان غزة يذوقون صنوف الموت والعذاب والدمار والتشريد، لدفعهم إلى الهجرة، ومن يصرّ على البقاء سيجد الموت يتربص به، وقد صرّح بذلك وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير بقوله، إنه يعمل «جاهداً» مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تعزيز تشجيع هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة، وأنه بدأ يكتشف «انفتاحاً معيناً» منه بهذا الصدد، معتبراً أن أمام إسرائيل «فرصة تاريخية لإعادة احتلال قطاع غزة، وتشجيع سكانه على الهجرة الطوعية».
تزامناً مع هذه التفاعلات السياسية الإسرائيلية، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي إقامة منطقة عازلة بعرض كيلو إلى كيلومترين في غزة، إضافة إلى ممرات عدة تفصل شمالها عن جنوبها، وممر قيد الإعداد في شمال القطاع، ما يعني استحالة عودة الحياة إلى طبيعتها، وجعل حياة الفلسطينيين في غزة جحيماً لا يطاق، وتخييرهم بين الموت بالحصار الحديدي وبين الفرار بحياتهم، وهما خياران أحلاهما مر، إذ إن إسرائيل بذلك ستزيد من قبضتها على سكان القطاع وتمنع عنهم أبسط مقومات الحياة، وتجعلهم يعيشون ضمن سجن كبير تملك هي وحدها مفاتيحه.
يضاف إلى عناد إسرائيل في تنفيذ مخططاتها الإبادية والتهجيرية، وجود تماهٍ أمريكي مع سياستها، ودعم لا محدود، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، إذ منعت واشنطن تنفيذ وقف إطلاق النار أكثر من مرة في مجلس الأمن، كما مدت تل أبيب بكل أصناف السلاح الذي يلقى على رؤوس الفلسطينيين، وما دعواتها إلى وقف إطلاق النار إلا لذر الرماد في العيون، فهي حقيقة غير معنية بجدية وضع حد لجرائم إسرائيل.
لا يبدو أن ثمة أفقاً بانفراجة قريبة لكل ما يحدث الآن، إلا أنه لا بد من إعادة تفعيل قضية غزة في الدوائر العالمية، وتسليط الضوء على معاناة أهلها من خلال حراك كبير عربي وإسلامي وعالمي، بحيث يضع ذلك حداً لأحلام نتنياهو وعصابته بإنهاء القضية الفلسطينية وتنفيذ أحلامهم باقتلاع الفلسطيني من أرضه، ومن دون ذلك فإن إسرائيل مستمرة في غيها وستكون الضفة مسرحاً لعملياتها بعد أن تبيد غزة وأهلها.
0 تعليق