جاء في صحيفة الشرق الأوسط قبل أيام، أن شركة أمريكية ناشئة (سباينز) تخطط لنشر 8000 كتاب العام المقبل، ووفق (الغارديان) البريطانية ستفرض الشركة على المؤلفين ما بين 1200 دولار و5000 دولار لتحرير كتبهم ومراجعتها وتصميمها ثم توزيعها، وكل ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، بدءاً من صناعة الكتاب وإلى توزيعه..
ردود الفعل في الأوساط الثقافية الأوروبية، جاءت سلبية تجاه الشركة ومشروعها الصناعي، والبعض قال إن هؤلاء الذين يصنعون كتباً من هذا النوع هم رأسماليون انتهازيون واستغلاليون، ولا علاقة لهم بالكتب..
ها هو، إذاً، الذكاء الاصطناعي يزحف إلى سوق الكتاب العالمية وإلى صناعته الآلية عبر ضخّ نشري ينتج الآف الكتب في أسرع وقت، وفي الغرب تحديداً تتوجه هذه الصناعة إلى قارئ استهلاكي لروايات البوليس والغموض والجريمة، إذا عرفنا أن القارئ الغربي ليس قارئ تاريخ على سبيل المثال أو فلسفة، أما على مستوى الأدب وتحديداً الشعر، فإن الثقافة الغربية المادية اليوم ليست ثقافة شعر بالمعنى الجمالي والروحي لهذا الفن الإنساني العظيم.
القارئ الذي يتوجه إليه الذكاء الاصطناعي وإن جاز التعبير هو قارئ (همبرغر). قارئ الوجبة السريعة التي تنسجم مع إيقاع السرعة وثقافتها الغربية المعاكسة لثقافة البطء التي يطلبها، وينادي بها اليوم ملايين من البشر يعودون إلى فطرتهم البشرية وإيقاعها الإنساني الطبيعي..
الجانب الآخر في صناعة الكتب بالذكاء الاصطناعي هو الجانب التجاري أو الربحي وبأسرع وقت بصرف النظر عن المحتوى الثقافي للكتاب ومعاييره القيمية والأخلاقية، فالنوعية ليست مهمّة في هذه الحال مقابل الكمية الهائلة، ومقابل ما يمكن أن يُسمّى التوحش النشري بالطريقة الصناعية السريعة، وهدفها المال بالدرجة الأولى، وربما من هذه الزاوية النقدية، قرأنا كيف أن بعض النخب الثقافية الغربية رفضت استغلال الثقافة، وتسليعها أو تسويقها المادي على حساب قيم الثقافة الرفيعة.. تلك القيم التاريخية والحضارية التي يرمز إليها الكتاب.
إلى هنا، تبقى عندنا نحن العرب مشكلة مباشرة بشأن صناعة الكتاب على طريقة شركة (سباينز) أو غيرها من مشاريع الذكاء الاصطناعي.. تلك المشكلة هي الترجمة إلى العربية. ترجمة كتب الذكاء الاصطناعي إلى اللغة العربية.
عمّا قريب، ومن خلال مؤشرات صناعة الكتاب بهذه الطريقة، ستغرق أسواق الغرب بهذا النوع من الكتب ، وسوف يشكل هذا الفائض النشري العالمي جذباً اقتصادياً للكثير من الناشرين العرب الذين يراقبون حركة الكتاب وانتشاره عبر قياسات (الأكثر توزيعاً في العالم)، وهي قياسات تغري الناشرين بالترجمة (الفورية) إلى العربية وأقصد بها الترجمة السريعة في خضم سوق نشر عربية وعالمية تلاحق الكسب التجاري بأي طريقة وأسرع وقت في زمن اقتصاد الكتاب وانتشاره العالمي.
هنا ممكن الخطر في هذه الصناعة النفعية، وسوف يتضاعف هذا الخطر إذا تحوّلت هذه الصناعة إلى ظاهرة نشرية اقتصادية في سوق الكتاب العربي.
0 تعليق