نفرح أم نحزن، أم أن ما يحدث في منطقتنا أفقدنا القدرة على التمييز بين الفرح والحزن، ودفعنا أحياناً للفرح بلا مبرر، سوى عدم الاستسلام للحزن كل الوقت بعد أن امتلأت حياتنا بما يثير في داخلنا مشاعر سلبية ويسحب بقايا الأمل من نفوسنا. حروب مستمرة منذ 14 شهراً، ولم يكتف المعتدي بما حققته آلته العسكرية من قتل وتخريب وتدمير وترهيب، وحروب تندلع بمجرد الإعلان عن هدنة لوقف إطلاق نار.
إرهاب تمارسه دول قوية على دول ضعيفة، وإرهاب خفت صوته لسنوات ثم عاد ليتجول في الأرض السورية، وكأنه كان خامداً مترقباً منتظراً لحظة استدعائه ليخرج من قمقمه وهو ما فعلته «جبهة تحرير الشام» ابنة جبهة النصرة وحفيدة تنظيم القاعدة خلال يومين في محافظتي حلب وحماة، لتسرق منهما الحاضر والتاريخ وتهدد المستقبل بمساعدة شقيقاتها الإرهابيات.
من تابع عودة اللبنانيين النازحين إلى بيوتهم في الضاحية والجنوب وقع في حالة حيرة، وهو يرى أناساً عائدين بأمتعتهم القليلة إلى بيوتهم يزغردون ويهللون فرحين بالعودة والنجاة من الموت الذي حصد أقرباء وأهلاً لهم. بعض المشاهد التي نقلتها محطات محلية وعربية تعبر عن حالة التداخل بين الفرح والحزن، النصر والهزيمة، الفوز والخسارة، كثيرها لعائلات تمر بجوار ركام البنايات وفي شوارع ضاعت معالمها بفعل القصف الإسرائيلي. المشهد يؤلم ولكن الصورة لأناس مبتهجة، وهو ما يثير مشاعر متناقضة لدى من يشاهد، نفرح لفرحهم أم نبكي لوجعهم ونحزن لما آلت إليه أوضاعهم؟
فرحة الأهالي العائدين لها بعض ما يبررها، قد تكون فرحة العودة للبيت حتى لو كان مهدماً ولم يتبق منه شيء، فالبيت حتى لو كان أطلالاً أفضل من المبيت غريباً في الشارع أو في مقر إيواء أو ضيفاً يرى نفسه ثقيلاً على شريك من الوطن حتى لو لم يبد هذا الشريك أي انزعاج، فالبيت المهدم سيتم بشكل عاجل إصلاح جزء فيه للاحتماء به، ولذا فالعودة إليه قد تكون مصدر فرح ولكنه فرح المأزوم المكسور الحزين على البيت وعلى المفقودين وعلى الوطن الذي لم ينقذه من التهاوي سوى إيمان شعبه به وإصراره على الخروج به من الأزمة سالماً متحدياً دول العالم، التي يكتفي الأقربون منه بالصمت ويتفنن الأبعدون في جلد الضحية ودعم الجلاد وتزويده بكل ما يحتاج لجلد من يتجرأ عليه.
المشهد ذاته يتكرر في سوريا، التي لم تتعاف مما حدث لها على مدار سنوات من غزو إرهابي وجشع الطامعين لتتفكك وتتقطع أوصالها وتتحول إلى عدة مناطق يتحكم في كل منها نفوذ طامع، فبعدما قامت الميليشيات المسلحة بعمليات في إدلب وحلب وقراهما واستدارت إلى حماة، عرضت مواقع التواصل وبعض الشاشات مشاهد لنازحين سوريين عائدين إلى بيوتهم ومناطقهم بعد ما أسموه «التحرير من القوات الحكومية» فرحين مهللين بالعودة وكأنهم حققوا النصر المبين على عدو احتل أرضهم.
وهو ما يؤكد أن الجماعات الإرهابية لم تزعزع الدولة فقط ولكنها زعزعت هوية قطاع من الشعب، استوطنت عقولاً قبل أن تستوطن أرضاً، ونجحت في خلق أرضية شعبية لها تسهل مهمتها في القرى والمدن التي استولت عليها وتستخدمها ورقة مهمة حال إجراء أي مفاوضات مستقبلية. العائدون إلى بيوتهم في المناطق السورية التي استولت عليها المعارضة، خرجوا في وسائل إعلام وعلى مواقع تواصل للتنديد بالحال الذي وجدوا البيوت عليها.
الحيرة التي يثيرها فرح المأزومين سواء في لبنان أو سوريا والتعبير بكليهما في الوضع والتوقيت غير المناسبين، يجاورها تساؤلات كثيرة يثيرها ما يحدث حولنا بعد أن تحول بعض كبار العالم وكبار الإقليم من رعاة شعوب ومستهدفي تنمية إلى مشعلي حروب ومستغلي ظروف لإحراق المنطقة.
أهم هذه الأسئلة عن العلاقة بين وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل من جهة وتحرك الميليشيات في سوريا اللذين حدثا متعاقبين وفي يوم واحد، وآخر حول مدى صمود الهدنة أو الاتفاق الحالي بين لبنان وإسرائيل بعد أن خرقته الأخيرة عشرات المرات منذ أول أيام سريانه حتى اليوم؟!. تساؤلات ستجيب عنها الأيام المقبلة بعد أن ينكشف المستور الذي يؤكد أن كل هذا العالم مربوط بخيط واحد، وتحركه جهة واحدة لديها إرادة نافذة على الجميع.
0 تعليق