مع تقدير كل التضحيات الشعبية الفلسطينية المتواصلة، لم يعد ممكناً الفصل بين الطوفان، أي «طوفان الأقصى» البادئ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من غزة، وارتداداته العميقة التي تجاوزت القطاع إلى لبنان وسوريا في انتظار ما يتبعهما..
قيل الكثير تحذيراً من عواقب العنف في غزة، وخوفاً من تطاير نيرانه في المنطقة، غير أن تركز الآثار في القطاع فقط لنحو عام خدع كثيرين، وهيّأ لهم أن النهاية الاعتيادية آتية لتوقف هذه الجولة من الحرب، باتفاق يبرد الساحة لفترة قبل أن تنفجر مجدداً، وهكذا.
وعلى النحو السريع الذي رأيناه، اشتعلت الجبهة اللبنانية، ودخل لبنان دائرة الخطر من ثغرته الجنوبية. ورغم الاتفاق بين لبنان وإسرائيل على وقف إطلاق النار، والذي اعتبر بارقة أمل في تهدئة المنطقة، انزلقت سوريا إلى الأزمة التي تتواصل تجلياتها الخطرة من دون القدرة على تصور في أي محطة تقف، ولا ما بعدها على مستوى المنطقة.
هذه المرحلة الفارقة في مسيرة المنطقة، قد لا تكون بعيدة عن وعيد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بأن يعيش الشرق الأوسط جحيماً ما لم تفرج «حماس» عن الرهائن الإسرائيليين لديها قبل تنصيبه في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل.
وقد تكون الساحة السورية المشتعلة الآن ميدان تدريب قاسٍ على أهوال هذا الجحيم الذي يلقي بأي وطن في المنطقة فجأة في أيدي المجهول، ويزلزل خرائطه، بعد أن تتبدل القناعات والتحالفات، فيتحول المصنف على قائمة الخطر إلى رهان ورمز للخلاص من حكم ما، و«الثورة» على ما استقر طويلاً.
من هنا، يصح الربط بين «الطوفان» و«الجحيم» المنتظر ربط السبب بالنتيجة، رغم التباعد الزمني بينهما، والقول إننا في مقدمة سيناريو كارثي تحتشد فيه ترتيبات لفترة حكم ترامب المنتظرة، وأطماع إقليمية، وتفاهمات بين القوى الكبرى خيّبت رهانات سوريا، كما فعلت مع «حماس» و«حزب الله»، وفتحت الباب لعودة وجوهٍ، كلّ منها يدعي وصلاً بسوريا وشعبها، رغم أنه يعمل لمصلحة طرف ما على اقتطاع جزء من خريطتها.
في ما يجري في سوريا استمرار لإضعاف مكونات حلف بعينه في المنطقة، وربما يكون لذلك خطوات أخرى في العراق واليمن، لكن هذا السيناريو يصلح تجربة عملية سريعة على كيفية وضع جزء من المنطقة أو أكثر في فوهة الجحيم، وترك الجميع في حالة قلق انتظاراً لما هو آتٍ.
وما أسهل أوراق هذا السيناريو التي يمكن التجاوز عن تعارضاتها الظاهرة وخلطها سريعاً لإنتاج مهددات. وما أسهل أيضاً إعادة تفكيك الترابط بين هذه المكونات بعد أن تؤدي دورها وتوصل الرسائل إلى من يعنيه الأمر، فلا يستقر حكمٌ لطامع فيه، ولا تدوم نوافذ التلميع الغربية للعائدين من المخابئ، بل تظهر وجوه جديدة وأوضاع تخدم فقط بعض دول المنطقة.
ApplyCtrl + EnterRemo
0 تعليق