في قمة قوّتك وعافيتك ومنصبك وسلطتك، منعّم في حضن أسرتك، وتأسرك الملذّات والمسرّات من كل حدب وصوب، ولا تدرك في ذروة انشغالك أنك في لحظة بقدرة رب العالمين وأمره تسقط ضعيفاً، مريضاً متعباً، وتُسلب منك حالة الراحة والنعمة، وتتغير صورتك بعد أن كنت تتلذّذ بكل ما تشتهي وتطلب.
الإنسان خُلق ضعيفاً، ويقوى بما أنعم الله عليه، فإذا مرض أصبح هشاً، مكسوراً وطالباً للجبر والشفاء والستر.
إن ما يمر به المرء في وعكة صحية جارفة هي قصة السؤال الأبدي: لماذا خلقنا؟ وماذا أدركنا؟ وكيف سنرحل؟ وفيمَ فني العمر، والدهر يجرّدنا يوماً بعد يوم عمراً وطاقة وحياة. الإنسان خلق ضعيفاً يسقط أسيراً لفراشه من جرثومة، بكتيريا، فيروس، وقد يهلك أياماً وسنين وينتهي عمره وهو يتقلّب في حضن الدعاء، طالباً من الله أن يغفر له ويكون أنيسه ورفيقه.
إن العلوم تتطور والطب يتطور، لكن تعتريك في بعض الأيام حالة من عدم فهم لما يجري في داخلك، وكيف يفسر تعبك حتى تدرك أن كل ما فيك بخير لكنك لست بخير، وتتلوّى ألماً وتعباً ويصبح النوم أكبر مطالبك.
كلّما عشنا وانشغلنا، لم ندرك نعم الله، وحين نُبتلى نتذكر أصغرها، فنحمد الله ونعيش السعادة فيها من دون أن نتذمّر.. نحن منعّمون، مرفّهون، والله يحبّنا ويعطينا سؤلنا، ولا يبقى لنا سوى أن نكون في صفاتنا بشراً من تراقيم مبطّنة بالجود والسخاء، وخدمة خلق الله والسعي في إدراك الخير أينما كان وكيف ومع من؟، ويبقى السؤال: هل أدركنا حقيقة نعمة الحياة والصحة والعافية فصرنا نتروى في الحياة، في فصولها، في سكونها وهدوئها، في أيامها التي تمضي بلا خطط ولا سرعة، في تلك اللحظة التي تسقط على الأرض كطفل وتنظر للسماء والنجوم فوقك وتقول «سُبحان من رفع السّماوات السبع بدون عمد» وجعل ظلمة الليل سكناً، وهدوءه طمأنينة وفجره أملاً ونهاره حياة، ومساءه جمالاً.
كل الأشياء الدنيوية زائلة، وقد لا تعود يوماً إن رحلت، ومنها شخص مقرّب منك، لكنه في تفاصيل حياتك كان السند والخير والدعم والحضن الآمن، ينتهي الوقت وينتهي الزمن ويفترق الدرب بين المحبين، وتأتي الابتلاءات القلبية والنفسية، فإن تفاقمت صارت جسدية عضوية مؤلمة.
ستدرك يوماً، ولربما أدركت، أن المرض الذي يأتيك من قلب مجروح أصعب من أن يشفى بالدواء. فالحمد لله على وجوده، وقرآنه، وذكره وتسبيحه، وعلى وجع أصابك من بشر فعالجه الله بقربك منه وسؤالك، وعلى ألم في جسدك أصابك بعين لم تذكر الله وحسد دونما إدراك، شفاه الله بقدرته وحفظه لك وذكرك له ويقينك به، ودعائك له وإلحاحك عليه. الحمد لله على نعمة الدعاء واليقين، وأن الله رحمن رحيم.
0 تعليق