هل تذكر تلك المقولة العجيبة لفيلسوف التاريخ الإيراني الراحل، باستاني باريزي: «لا يوجد حدث كبير في التاريخ، لم يبدأ بسخرية كبيرة، أو لم ينته بسخرية أكبر»؟ فرصة طيّبة لأطيب أوقات الإمتاع والمؤانسة. ما عليك إلا أن تستعرض مدمدمات الحوادث ومدوّيات الوقائع، وتشرع في اختبار صدقيّة النظرية.
تأمّل التسارع الفائق الذي حققته الفتوحات الإسلامية، في السنة الحادية عشرة للهجرة، فقد بدأ تداعي دعائم الإمبراطورية الفارسية. وفي العام الهجري الثالث والعشرين، صار كل التراب الإيراني جزءاً من الدولة الإسلامية. قل إن شئت: «علم أم حلم؟»، فبعد أربع سنوات على بداية فتح فارس، أي في السنة الخامسة عشرة للهجرة، أخذت الأرض تهتزّ تحت الإمبراطورية الرومية، البيزنطية، وكانت نهاية القصة في ظرف العام السادس عشر للهجرة.
هل يستطيع عقل ألمعي عبقري، أن يتصور البداية الأولى في غزوة بدر، والصعود النجومي الذي وصلت فيه الدولة الإسلامية إلى أوج الحضارة الإسلامية سنة 170 هجرية، بتسلم هارون الرشيد مقاليد خلافة المشارق والمغارب؟ هل يقدر ذهن فذّ نابغة، على تخيّل الزلزال الجيوسياسي، الذي أحدثه نشوء بذرة الدولة الإسلامية، إلا أن يقيس على الانفجار العظيم وتوسّع الكون في مدّة قياسيّة يسمّيها الفيزيائيون التضخم الكوني. من العسير على ذي الفهم والحجا، أن يستوعب الربط بين غزوة بدر وذرى إمبراطورية الحضارة الإسلامية.
عَوْداً على بدء، لتطبيق مقولة المؤرخ. ألا ترى الأحداث منذ مطلع القرن الحالي، عجباً عجاباً؟ في مشهد بدر، استطاع نحو من ثلاثمئة رجل وضع حجر الأساس لدولة أطاحت إمبراطوريتين في عقدين، وفي أقل من قرنين غدت لا تغرب عنها الشمس، من الأندلس إلى حدود الصين. وهي اليوم سبع وخمسون دولةً، بقرابة ملياري نسمة، منها اثنان وعشرون بلداً عربياً، على أربعة عشر مليون كم2، وأربعمئة مليون آدمي. أمّا الدعابة الفاقعة، فتتمثل في أنها في أقل من ثلاثة عقود تداعت ثماني دول منها كأحجار الدومينو.
لا ينصرفن ذهنك، لا قدّر الله ولا كدّر، إلى أنهم أعجبتهم كثرتهم. الأنكى في التراجيكوميديا هو أن دمشق وحمص كان سقوطهما في العام السادس عشر للهجرة، انهياراً لإمبراطورية الروم، على أيدي الفاتحين المسلمين، أمّا اليوم فالداخلون «جبهة النصرة» التكفيرية. «المجتمع الدولي» إيّاه يسمّيهم ثوّاراً ومعارضين، وكان من قبل وضعهم على قائمة الإرهاب. أفلا تعقلون؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الحربائية: من قال لهم إن العقل العربي لا يميّز الألوان؟
0 تعليق