ألزمت كتابتي الصحفية بما يشبه التقليد المنتظم المتمثل في العودة إلى الكتب القديمة، وقراءتها قراءة ثانية، بما يخدم الفكرة التي تنمو حولها هذه الزاوية اليومية المكرّسة للشأن الثقافي الإماراتي، والعربي والعالمي، ويأتي كتاب «حول النقد السينمائي» للكاتب الأردني حسان أبو غنيمة في إطار هذه الكتب الجميلة التي تعيد القارئ إلى فترة الثمانينات والثقافة السائدة في ذلك العقد وفي صحافته اليومية آنذاك.
صدر هذا الكتاب عام 1981، ويبدو أن المؤلف قد نشره على نفقته الخاصة في مطبعة التوفيق، ولا أدري إن كانت هذه المطبعة تعمل إلى اليوم، أما ثمن النسخة من الكتاب فقد كانت ديناراً أردنياً واحداً، كما جاء في الغلاف الداخلي الأخير للكتاب.
كان حسان أبو غنيمة (1948- 1996) على رأس أوّل من كتب في الصحافة السينمائية في الأردن، وله كتاب بعنوان (حوارات في السينما العالمية) صدر عام 1980 يتضمن لقاءاته الصحفية مع نجوم صناعة السينما في العالم.
اهتم أبو غنيمة بالسينما الفلسطينية بشكل خاص، وأصدر كتابين في هذا الحقل المبكر هما: «عن السينما الفلسطينية» 1974، وفي عام 1976 أصدر «فلسطين والسينما».
لم يأت أبو غنيمة إلى ثقافة السينما والنقد السينمائي من فراغ، فقد عرف الأردن هذا الفن الراقي منذ نهاية العشرينات من القرن العشرين (افتتاح سينما النصر آنذاك)، وتذكر بعض المصادر أن البيئة الجغرافية شهدت تصوير العديد من الأفلام العالمية، وفي العام 1969 تأسس نادي السينما الأردني.
لكن رغم كل هذه العناصر الجغرافية والثقافية المبكرة في الأردن، والتي تخدم الثقافة السينمائية في حدّ ذاتها، لم يكن الأردنيون مولعين بالسينما وصناعتها مثلما كان الحال آنذاك في مصر مثلاً، وعلى الرغم من انصراف الأردنيين عن السينما على المستوى الشعبي أو المزاج الثقافي الشعبي، يظهر حسان أبو غنيمة بوصفه ناقداً سينمائياً مثقفاً ثقافة متعددة الينابيع والمرجعيات، وبخاصة في كتابه القديم هذا «حول النقد السينمائي».
يلفت القارئ حدّ الدهشة حجم أو عدد الأفلام التي شاهدها أبو غنيمة في الثمانينات، والتي كتب عنها برؤية فكرية بالغة الحسابية النقدية، وتكشف عن مثقف سينمائي شاب تبدو رؤاه وطموحاته الفكرية السينمائية أكبر من عمره.
كتب حسان أبو غنيمة عن تفاصيل سينمائية حرفية لا يعرفها بهذه الدقة سوى المتخصصين في الفن السابع من مخرجين، ومصورين ونقاد.
كمٌّ هائل من المعلومات، وأسماء الأفلام، ونجوم المخرجين والكتب المتخصصة في السينما.. كل هذا وأكثر منه كان يحيط به حسان أبو غنيمة قبل أكثر من أربعين عاماً، حيث لا إنترنت، ولا مواقع إلكترونية سينمائية، ولا ويكيبيديا أو موسوعات رقمية يعود إليها، وبكبسة زر يحصل على سيل من المعلومات كما هو الحال اليوم.
يدهشك هذا الكتاب من حيث تركيزه ومهنيته ومعلوماتيته وكونه أيضاً وثيقة سينما وضعها حسان أبو غنيمة قبل عقود من الزمن، كما لو أنه كان يؤسس لثقافة النقد السينمائي العربي والعالمي، بتلك العناوين المتخصصة التي يتوجب أن تُقرأ من جديد.
0 تعليق