قبل إقفال دفاتر 2024.. عقوبات صينية نوعية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. محمد الصياد*

اختارت الإدارة الديمقراطية أن تودع عام 2024، قبل مغادرة البيت الأبيض مطلع العام الجديد 2025، بأن تفرض يوم الاثنين 2 ديسمبر/كانون الأول 2024، قيوداً جديدة على بيع شرائح الذاكرة المتطورة «High-end memory chips» التي تصنعها شركات أمريكية وأجنبية، إلى الصين. وهدف العقوبات الأمريكية الجديدة، إبطاء تطوير الصين لأشباه الموصلات المتقدمة وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تسريع وتيرة تطور الاقتصاد والجيش الصينيين.
في اليوم التالي (الثلاثاء 3 ديسمبر 2024)، ردت الصين بفرض حظر على مبيعات الغاليوم «Gallium» والجرمانيوم «Germanium» والأنتيمون «Antimony» والمواد الشديدة الصلابة، إلى الولايات المتحدة، وتشديد الضوابط على تصدير مادة الجرافيت «Graphite».
نخبة واشنطن في السياسة والإعلام، اعتبرت الرد الصيني الثقيل، بمثابة ضربة افتتاحية لضوابط التصدير لأمريكا، والتي يمكن أن تمتد إلى عشرات المواد الخام الدقيقة إذا تصاعدت الاحتكاكات التجارية مع واشنطن. وبحسب خبراء أمريكيين، فإن هذه مجرد بداية، وإن هناك المزيد من المعادن النادرة التي يمكن أن تشملها قريباً قيود التصدير مثل التنغستن «Tungsten»، الموليبدينوم «Molybdenum»، التيتانيوم «Titanium»، القصدير «Tin»، الإنديوم «Indium»، الكروم «Chromium»، التنتالوم «Tantalum»، النيوبيوم «Niobium» والسيزيوم «Cesium»، وما إلى ذلك.
الهدف هو تحصين الصين لأمنها القومي ودورها الاستراتيجي في الموارد المعدنية. وقد أدرجت شركة الوساطة المدعومة من الدولة 10 سلع أساسية، بما في ذلك 17 عنصراً مصنفاً ضمن المعادن النادرة التي تُعتبَر الصين محورها، كمنتج أو كمعالج للمعادن لأغراض التصنيع عالي التقنية، من قبيل إنتاج أشباه الموصلات، والإلكترونيات، والطاقات المتجددة، إلى جانب تطبيقاتها العسكرية.
تتمتع الصين أيضاً بالهيمنة على سلع أخرى مثل الزرنيخ «Arsenic»، الذي له مجموعة واسعة من الاستخدامات التي تبدأ من المبيدات مروراً بالأعشاب، وليس انتهاءً بالاتصالات. وفي السنوات الأخيرة، اعتمدت الولايات المتحدة على الصين في 60% من إمداداتها من هذا المعدن، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. كانت الحكومة الصينية قد أوقفت في العام الماضي تصدير مجموعة من التقنيات المرتبطة بمعالجة العناصر الأرضية والمعدنية النادرة، مما صعّب على الولايات المتحدة وحلفائها تعزيز إمداداتهم من هذه المواد الخام الاستراتيجية. تُضاف إلى ذلك المواد شديدة الصلابة، أي الماس الصناعي وكل التكنولوجيا المرتبطة به، إذ تعدّ الصين أكبر منتج لهذا الماس، وإنها توفر، بحسب التقديرات 90% من سوق الماس ذي التركيبة الصناعية «Synthetic industrial diamonds». ومن حيث الإنتاج الإجمالي للماس الصناعي، سواء الطبيعي أو الصناعي، فإن حصة الصين في السوق تميل بشدة نحو الماس الصناعي، بسبب هيمنتها في هذا القطاع.
أدت قيود التصدير الصينية الجديدة إلى ارتفاع أسهم الشركات التي تستخرج المعادن الأساسية وتصفيتها ومعالجتها، إذ دفع ذلك المستثمرين للإقبال عليها. داخل الصين، ارتفعت أسهم شركة يونان لينكانج شينيوان للصناعات الجرمانيومية بنسبة 10%، في حين ارتفعت أسهم شركة يونان تشيهونج للزنك والجرمانيوم بنسبة 7.8%. وفي سيدني، ارتفعت أسهم شركة ليناس للأتربة النادرة التي افتتحت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 أكبر منشأة لمعالجة العناصر خارج الصين، بنسبة 5.6%.
سوف يحاول الأمريكيون بالتأكيد العثور على بديل سواء في الداخل أو في الخارج، لكنهم سرعان ما سيدركون أن تصنيع هذه الرقائق أمر صعب للغاية. في العلن، سوف يصرحون للإعلام بأنهم ليسوا بحاجة إلى هذه المواد، لكنهم في الخفاء سوف يطلبون التفاوض. وقد تكون هولندا الخاسر الأكبر في حرب الرقائق هذه. ففي غضون بضعة أشهر أو عام على الأكثر سوف تنتج الصين آلات تصنيع الرقائق بتكلفة زهيدة، وسوف تستفيد أغلب دول العالم غير الغربي من هذا المصدر البديل للمصدر الهولندي.
هكذا إذن، يبدأ الاقتصاد العالمي عامه الجديد (2025) بجولة جديدة من «المناطحة» التجارية بين أمريكا والصين. الرئيس المنتخب دونالد ترامب، سيزيدها اشتعالاً، فهو هدّد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على جميع السلع الصينية، حتى وهو لم يتقلد منصبه الرئاسي بعد. هو يريد أن «يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وكيف لدولة مديونة ب35.46 تريليون دولار مقابل طاقة اقتصادها على إنتاج ما قيمته 29 تريليون دولار في السنة، أن تكون عظيمة؟ اللهم إلا إذا لجأ إلى ما تسمى سياسة «الاقتصاد النهبي» (Plunder economy)، التي لا يخفيها مطلقاً، وذلك برسم تصريحاته حول قناة بنما وجرينلاند وكندا.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق