الصناديق السيادية للإمارات.. ودورها محلياً ودولياً - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. رامي كمال النسور*

نشرت شركة الاستشارات «غلوبال إس دابليو إف» Sovereign Wealth Funds (SWFs) في أكتوبر الماضي، تقريراً ذكرت فيه أن أبوظبي تصدرت قائمة المدن عالمياً من حيث قيمة الأصول التي تديرها صناديقها السيادية، البالغة حوالي 1.7 تريليون دولار.
وتشمل الأموال الأصول التي تديرها صناديق «جهاز أبوظبي للاستثمار» (ADIA)، و«مبادلة»، و«مجلس أبوظبي للاستثمار» (ADIC)، و«القابضة»(ADQ)، و«لونيت» (Lunate)، وصندوق أبوظبي للتنمية (ADFD)، و«توازن» (Tawazun)، وجهاز الإمارات للاستثمار (EIA).
وعلاوة على الصناديق السيادية، تمثل إمارة أبوظبي موطناً للعديد من مديري الأصول الآخرين، بما في ذلك صناديق التقاعد العامة والمكاتب العائلية المرتبطة بأفراد العائلة الحاكمة. وتشير تقديرات «غلوبال إس دابليو إف» إلى أن الإمارة تمتلك أصولاً رأسمالية عامة بحوالي 2.3 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.4 تريليون دولار بحلول عام 2030.
لا تُعد الصناديق السيادية في أبوظبي «الأكبر حجماً فحسب، بل والأكثر نشاطاً في المنطقة والعالم»، وفق تقرير شركة الاستشارات، فخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، استثمرت صناديق «أديا» و«مبادلة» و«القابضة» حوالي 36 مليار دولار عبر إبرام صفقات في جميع أنحاء العالم، ويمثل ذلك ثلثي ما استثمرته كافة الصناديق السيادية الخليجية، و26% مما استثمرته جميع الصناديق السيادية على مستوى العالم في تلك الفترة.
والحقيقة أن صناديق الثروة السيادية في دولة الإمارات تسهم إيجابياً بشكل كبير في النشاط الاقتصادي، سواء أكان على المستوى المحلي أم على المستوى الدولي. وتشمل أدوارها الاستقرار والتنويع وتعزيز الابتكار، وضمان بقاء دولة الإمارات العربية المتحدة قادرة على المنافسة في اقتصاد عالمي متغير باستمرار.
فمن ناحية تعمل صناديق الثروة السيادية بصفتها حواجز مالية لاستقرار الاقتصاد خلال فترات التقلب. ويتم توجيه العائدات من النفط والغاز، حجر الزاوية في اقتصاد دولة الإمارات، إلى هذه الصناديق للحماية من التقلبات في أسعار الطاقة العالمية.
فعلى سبيل المثال تساعد استثمارات جهاز أبوظبي للاستثمار في حماية اقتصاد الإمارات خلال فترات الركود من خلال توفير عوائد ثابتة من محافظ عالمية متنوعة. وتخفف استثمارات مبادلة في القطاعات المرنة، مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا، من تأثير تقلب أسعار النفط.
ويُعد التنوع الاقتصادي حجر الزاوية في استراتيجيات رؤية الإمارات 2030 ورؤية 2071. حيث تؤدي صناديق الثروة السيادية دوراً حاسماً في هذه العملية من خلال الاستثمار في القطاعات غير النفطية، بما في ذلك قطاع التكنولوجيا، وتعزز استثمارات «مبادلة» في شركات مثل «جلوبال فاوندريز» وشراكاتها في مجال الذكاء الاصطناعي الابتكار.
إن صناديق الثروة السيادية في دولة الإمارات تؤدي دوراً فعالاً في تعزيز الاستدامة. ففي مجال الطاقة المتجددة نجحت شركة «مصدر»، وهي شركة تابعة لمبادلة، في ترسيخ مكانة دولة الإمارات بصفتها رائدة في مجال الطاقة النظيفة من خلال مشاريع في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر. ولقد أدت استثمارات مصدر في مزارع الرياح في المملكة المتحدة ومشاريع الطاقة الشمسية في إفريقيا إلى وضع دولة الإمارات في موقع الريادة العالمية في مجال الطاقة المتجددة. كما يدمج جهاز أبوظبي للاستثمار مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG في استراتيجياته الاستثمارية، بما يتماشى مع أهداف الاستدامة العالمية.
وفي قطاع آخر مهم وهو قطاع السياحة والعقارات، تدعم مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية قطاع السياحة النابض بالحياة في دبي، وتمول مشاريع شهيرة مثل برج خليفة ودبي مول.
وتستثمر صناديق الثروة السيادية في الإمارات عالمياً، وتحقق عوائد تدعم التنمية المحلية في الدول التي تستثمر بها. وتمتد محفظة جهاز أبوظبي للاستثمار المتنوعة إلى الأسهم والعقارات ومشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، في حين تعمل شراكات مبادلة العالمية على توسيع الوصول إلى أحدث التقنيات والصناعات.
من جهة أخرى تحفز استثمارات صناديق الثروة السيادية خلق فرص العمل من خلال تمويل الصناعات المحلية ودعم الشركات الناشئة.
إن مبادرات مبادلة في مجالات الطيران والرعاية الصحية والتكنولوجيا تخلق فرص عمل عالية المهارة لمواطني دولة الإمارات، ما يسهم في اقتصاد المعرفة في الدولة.
أخيراً تؤدي هذه الصناديق السيادية دوراً كبيراً في تعزيز التأثير العالمي الاستراتيجي لدولة الإمارات، حيث تبني هذه الصناديق علاقات استراتيجية وتعزز نفوذ الدولة على الساحة العالمية، إذ إن الاستثمارات البارزة، مثل تلك الموجودة في البنية التحتية والتكنولوجيا، تضع دولة الإمارات بصفتها لاعباً رئيسياً في تشكيل الاتجاهات الاقتصادية العالمية.
وعلى الرغم من نجاح صناديق الثروة السيادية في الإمارات بشكل كبير، فإنها تواجه تحديات معينة أولها الاعتماد على عائدات النفط على الرغم من جهود التنويع، لا يزال جزء كبير من تمويل صناديق الثروة السيادية ينشأ من عائدات النفط والغاز، ما يجعل من الضروري تسريع النمو الاقتصادي غير النفطي. والحقيقة أن الإمارات نجحت إلى حد كبير في تنويع اقتصادها، بحيث لا يعتمد فقط على النفط والغاز. ومن التحديات الأخرى التقلبات الاقتصادية العالمية، حيث تخضع الاستثمارات الدولية للتوترات الجيوسياسية ومخاطر العملة وتقلبات السوق، والتي يمكن أن تؤثر في العائدات. ومن التحديات أيضاً التحول نحو الاستدامة، حيث يتطلب ذلك تحقيق التوازن بين الربحية وأهداف الاستدامة، وخاصة في مواءمة الأهداف قصيرة الأجل مع الالتزامات المناخية طويلة الأجل.
إن صناديق الثروة السيادية في دولة الإمارات هي أكثر من مجرد أدوات مالية، فهي ركائز الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد، وتضمن الاستقرار والتنويع والازدهار على المدى الطويل. ومن خلال دفع الاستثمارات في القطاعات الحيوية، وتعزيز الابتكار، وتعزيز الاستدامة، لا تعمل هذه الصناديق على تأمين مستقبل دولة الإمارات الاقتصادي فحسب، بل وتعزز أيضاً نفوذها العالمي.
مع استمرار الإمارات في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، ستظل صناديق الثروة السيادية التابعة لها حيوية في تشكيل اقتصاد مرن ومتنوع. ومن خلال مواءمة استراتيجياتها مع الرؤى الوطنية والاتجاهات العالمية، ستظل هذه الصناديق حجر الزاوية في اقتصاد دولة الإمارات.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق