الاستشارة في أبسط تعريف لها هي رأي فني يطلبه صاحب القرار غالباً ما يكون متعلقاً بكيفية تطبيق نص أو نصوص قانونية.
ولما كانت المشورة في واقع الأمر تقدم بشأن تصرف لم يُحسم بعد وتكون مساهمة جوهرية في التصرف المزمع إبرامه، والذي قد يكتسب بسببها أهمية تاريخية، ويصبح القرار ومصدره من بعد حلقة من حلقات سلطان وجبروت وقوة الإدارة مسجلاً في تاريخها سلباً كان أو إيجاباً... وقد قيل في المفتي إنه ترجمان المشرع، أي يفسر حكمه ويفصله مطبقاً على أوضاع الواقع... والفتوى بيان لصحيح حكم التشريع، وهي أكثر اتصالاً وتعرضاً لأوضاع الحقوق والمراكز القانونية... والمفتي هو الصديق الناصح الأمين المعين للإدارة، يفتح لها الأبواب ويفسح أمامها الطريق... ولهذه الأهمية والتأثير يفضل أن تكون المشورة والفتوى واضحة محددة الأبعاد والتأثير مكتوبة وموثقة، كما يجب على من طُلب منه المساهمة في تقديم فتوى أي طُلبت استشارته في أي مجال، لاسيما الاستشارة القانونية التي قد تمس شرائح كبيرة في المجتمع، بل هو ملزم لكون فتواه تصل المستفتي قبل أن يتخذ القرار وتكون ركيزته وعنصراً من عناصر اتخاذ قراره بأن يراعي إمكانات وقدرات الدولة وقوتها وهيمنتها ثم يقدر الأهمية الواقعية لمشورته من حيث أثرها في الجماعة وتداعياتها على المجتمع والأفراد والإدارة، ويترك إحدى عينيه معلقة على الطرف الضعيف الذي سيشمله تصرفها، وهذا بطبيعة الحال مهم... بينما الأهم أن تركز العين الأخرى على مصدر القرار الذي طلب مشورته لكي يبعده عن الأخطاء والتداعيات والعثرات التي قد تنتج عنها. وألا يعرضه بأي حال من الأحوال للانتقاد أو اللقط، مما قد يضطره لاتخاذ خطوات أو معالجات تُضغف قراره... لذلك يستوجب عليه أن يتجرد من الهوى والتأثر ويتدثر برداء الأمانة وكأنه يقضي في خصومة، لاسيما في الحالات التي يكون فيها القرار الصادر بناء على فتواه ومشورته يمتنع على أي جهة مشروعة مراقبة أو التعقيب على مشاكل تطبيقه وإشكالياته ومنغلق أمام الطعن على ما قد ينشأ من منازعات على تصرفات جهة الإدارة المبني في مجمله على هذه الاستشارة والتي تمس حقوق الأفراد أو حرياتهم.
رئيس مجلس القضاء، رئيس محكمة التمييز، رئيس المحكمة الدستورية السابق
0 تعليق