ما سرّ بقاء لبنان بمنأى عن خطط «الترانسفير» من غزة؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

بدأتْ الحكومةُ الأولى في عهد الرئيس جوزف عون مسارَ شَقِّ «ممرٍّ آمِنٍ» للبنان يُخْرِجه من القعر السحيق الذي يتقلّب فيه منذ 2019 والذي انفتح على جحيمٍ من دم ودمار مع الحرب التي استعرت بين «حزب الله» وإسرائيل، وفي الوقت نفسه يجنّبه المزيد من استنزافِ ما بقي من هيكلٍ لدولةٍ انكشفت على أعتى أعاصير المنطقة، التي مرّتْ أو قد تطلّ برأسها من قلب مؤشراتِ الـ «لا عودة» عن اجتثاثِ ما تَعتبره واشنطن وتل أبيب خطرَ إيران وأذرعها، وتصفية القضية الفلسطينية من بوابة «تملُّك الأرض» و«توزيع» الشعب على هذا البلد أو ذاك.

أول اجتماع حكومي

ناقلة نفط ترفع علم بنما في بحر البلطيق (أ ف ب)

منذ 30 دقيقة

ترامب مستقبلاً عبدالله الثاني في البيت الأبيض (أ ف ب)

منذ 31 دقيقة

وحكومة الرئيس نواف سلام التي عقدتْ، أمس، أول اجتماعاتها في القصر الجمهوري بعد التقاط الصورة التذكارية بحضور رئيس البرلمان نبيه بري، أعطتْ إشاراتٍ واضحةً إلى إدراكها حجم التحديات الماثلة، سياسياً حيث يتعيّن عليها إعادة مد جسور ثقة الخارج بـ «لبنان جديد» حيث «لا إشراكَ» في السيادة مع أي سلاح خارج الشرعية، وعسكرياً - أمنياً في ضوء استحقاق انتهاء الهدنة الممدَّدة بموجب اتفاق وقف النار مع إسرائيل بعد 6 أيام وما سيكون بعد هذا التاريخ ناهيك عن بؤرة التوتر العالي على الحدود السورية - اللبنانية، وإدارياً على صعيد ملء شواغر تكاد ألا تُحصى بما يحصّن «النظام التشغيلي» للدولة ومؤسساتها وينأى به عن زبائنية ومحاصصاتٍ سبق أن حوّلت الإدارة «جُزُراً حزبية» وأرستْ حلقاتٍ متشابكة ومتقطّعة تمنع أي محاسبة أو دخول إلى «مغاور علي بابا».

وعبّر عن هذا الإدراك أمران:

- الأول كلام الرئيس عون في مستهلّ الجلسة، حيث أكد أن لبنان يجب أن ينهض «بالإصلاحات التي سنعمل عليها جاهدين كوزراء وكحكومة، ولبنان الدولة هو الذي يحمي القطاعات وكل مرافق الدولة»، معلناً «أن الانتماء والولاء هما للدولة وليس لأي جهة أخرى، والوزراء هم لخدمة الناس»، وقال: «المهم ليس فقط تشكيل الحكومة، بل إثبات الثقة بدءاً بمكافحة الفساد وإجراء التعيينات، إضافة إلى التصدي للأمور الطارئة راهناً وهي: الموازنة العامة، الانتخابات البلدية والاختيارية، كيفية تطبيق القرار 1701 والتأكيد على الانسحاب الاسرائيلي في 18 الحالي رغم التحديات»، وصولاً لتشديده على «ضرورة عدم توجيه أي انتقاد إلى الدول الصديقة والشقيقة وعدم اتخاذ لبنان منصة لهذه الانتقادات، وعلى أن التعبير عن الآراء من قبل السيدات والسادة الوزراء، يكون عبر الآليات والقنوات الرسمية المعتمدة وفق الأصول».

- والثاني توجيه الرئيس سلام، الذي أجريت له المراسم البروتوكولية في السرايا الحكومية حيث باشر مهماته فيها أمس، بإسراع الخطى في وضع البيان الوزاري من لجنةٍ يترأسها وعقدت أول اجتماعاتها بعد الظهر وتضم الوزراء طارق متري وياسين جابر وغسان سلامة وجو عيسى الخوري وفايز رسامني.

البيان الوزاري

وأكد سلام، الذي أوعز إلى كل الوزراء بالتفرّغ الكامل لعمل وزاراتهم وترك أي عمل خاص جانباً وعدم الخلط بين العام والخاص، أن البيان الوزاري سيكون مقتضباً ومباشراً وهو أطلّ على بعض جوانبه في إطلالته التلفزيونية مساء أمس عبر «تلفزيون لبنان» الرسمي حيث توجّه إلى اللبنانيين والخارج شارحاً المسرح الذي وُلدت عليه حكومته وما ينتظرها ويُنتظر منها.

وتشير المعطيات إلى أن البيان الوزاري، الذي سيرتكز على خطاب القسَم للرئيس عون ومواقف سلام بعد تكليفه ثم تشكيل الوزارة، سيُنجز خلال أيام قصيرة ليَجتمع مجلس الوزراء ويقرّه فتَمْثل الحكومة بموجبه أمام البرلمان لنيل الثقة، وسط إشاراتٍ إلى أن كلمة المقاومة لن تَرِد فيه ولو بالصيغة التي باتت معتمَدة منذ 11 عاماً والتي تؤكد «على حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة»، وأن معادلةً جديدة ستجمع بين حصرية السلاح بيد الدولة وتطبيق القرار 1701 مع ترجيح التذكير بميثاقِ الأمم المتحدة وخصوصاً المادة 51 التي تَعتبر أن «ليس في هذا الميثاق ما يُضْعِفُ أو ينتقص الحقَّ الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء «الأمم المتحدة».

المسار الجديد

ويَشي هذا السياق بأن لبنان الرسمي يَعي تماماً أبعادَ وتداعيات أي محاولاتِ التفافٍ على المسار الجديد الذي وُضعت البلاد على سكته في ضوء الخراب الذي حلّ عليها جراء العدوان الاسرائيلي والأكلاف الباهظة لانحرافها عن عمقها العربي وانجرافها إلى المحور الإيراني وتسليمها بالأمر الواقع الذي شكله فائض قوة «حزب الله» وسلاحه، وسط اقتناعٍ بأن لا إمكان للتراجع عن خريطة الطريق التي بدأت بانتخاب عون وتكليف سلام ثم تشكيل حكومة بمواصفاتٍ وتوازناتٍ غير مسبوقة على أكثر من مستوى سياسي وإصلاحي جاءت انعكاساً للتحولات الإقليمية كما في لبنان نفسه.

خياراتٍ «خيالية»

وفي الوقت الذي تلقى الرئيس سلام اتصالاتِ تهنئة بتشكيل الحكومة كان أبرزها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسي وزراء مصر مصطفى مدبولي والأردن جعفر حسان ووزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ترى أوساط سياسية أن على لبنان التمعّن في ما يجري حوله خصوصاً على جبهة غزة وملامح محاولة أميركية وإسرائيلية لفرْض خياراتٍ «خيالية» وبلغة «أبواب الجحيم»، بدأ معها وقف النار يترنّح بقوة وتُنْذِر بوضع القضية الفلسطينية برمّتها على المحكّ، وسط حمْل الرئيس دونالد ترامب «عصا» قطع المساعدات عن أكثر من دولة تعانِد أن «تزحل» فلسطين إلى أكثر من بلد.

وإذ استوقف الأوساط أن لبنان بمنأى ع «لائحة» الدول المدعوة لتكون «أوطاناً بديلة»، وهو ما يعود إلى «قرار» أميركي كبير له أكثر من خلفية وليس نتيجة أي معادلات قوةٍ مفترضة، اعتبرت أن امتحاناً رئيسياً يشكله موعد 18 الجاري في ضوء ما أوردته القناة الـ 12 الإسرائيلية عن أن بنيامين نتنياهو طلب من ترامب تأجيل الانسحاب من لبنان مرة أخرى (كان مقرراً أن ينتهي في 26 يناير ومُدد إلى 18 الجاري) وأن تل أبيب قدمت للأميركيين أدلة على أن الجيش اللبناني، المدعو للانتشار في جنوب الليطاني بعد تفكيك البنية العسكرية لحزب الله في هذه المنطقة، لم يعالج انتهاكات الحزب وأنها «تعتقد أن الأميركيين سيسمحون بالتمديد لمنع حزب الله من العودة إلى الحدود».

اورتاغوس

وفي حين تحدثت تقارير عن أن نائبة المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان اورتاغوس ستعود إلى لبنان خلال الأيام المقبلة، لمعالجة طلب التمديد الاسرائيلي، المرفوض لبنانياً، في ظل معطيات عن تشدّد تل أبيب في البقاء في 5 تلال إستراتيجية تطلّ على المستوطنات الشمالية، كان بارزاً ما أوردته صحيفة «جيروزاليم بوست» من أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل، بضرورة انسحاب الجيش الإسرئيلي من جنوب لبنان بحلول 18 الجاري، من دون تمديد اتفاق وقف النار مرّة ثانية.

وفي موازاة ذلك، تزداد المؤشرات التي تدلّ على أن ما تشهده الحدود السورية - اللبنانية وامتدادها في منطقة الهرمل خصوصاً من مواجهات بين قوات الإدارة السورية وعشائر لبنانية موالية لحزب الله ليس معزولاً في مآلاته النهائية عن نقطتين متكاملتين:

- القرار الكبير بقفْل منافذ تهريب الأسلحة ونقل المُقاتلين عبر سورية.

- واستكمال ما تنفّذه إسرائيل بيدها - أي عبر الغارات الحدودية على مخازن أسلحة أو آليات تزعم أنها تحمل عتاداً عسكرياً - من مندرجات القرارين 1701 و 1680 (تحديد الحدود مع سورية ومنْع نقل الأسلحة عبرها) وصولاً إلى مضامين اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) الذي يدعو إلى ضبط المَعابر بما يمنع إعادة تكوين «حزب الله» لمخزونه العسكري وسط تزايُد التقديرات بأنّ ما يجري عند «الكوريدور» الإستراتيجي في منطقة القصير قد يكون تمهيداً لتوسيع نطاق عمل قوة «اليونيفيل» لتشمل الحدود مع سورية (بطول نحو 330 كيلومتراً من الشرق إلى الشمال).

وفي سياق الوضع على الحدود مع سورية، برز، أمس، العثور على جثّة المواطن خضر كرم زعيتر في وادي حنا، في الأراضي السورية القريبة من قضاء الهرمل وقد ظهرت عليه آثار إصابات بطلقات نارية.

وبحسب موقع «النهار» الإلكتروني، فإن خضر وهو ابن شقيقة النائب في البرلمان اللبناني غازي زعيتر (من كتلة الرئيس بري) كان مخطوفاً من بلدة بلوزة الواقعة داخل الأراضي السورية منذ يومين حيث طالب الخاطفون بفدية قدرها 10 آلاف دولار أميركي مقابل إطلاق سراحه، وكان من المقرّر دفع الفدية أمس لكن أهله صدموا بخبر مقتله، متحدثاً عن أن ثلاثة أفراد من آل زعيتر ما زالوا في قبضة الخاطفين.

دانَ تصريحات نتنياهو

بري: عدوان مبيت وصريح يستهدف سيادة السعودية

أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن «دعوة رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية على أراضي المملكة العربية السعودية هي بمثابة عدوان مبيت وصريح يستهدف سيادة المملكة، وتكشف حقيقة السياسة العدوانية الإسرائيلية العابرة للحدود ولسيادة الدول المستقلة والمُهددة لأمنها وهويتها ووحدتها استقرارها وهي أيضاً محاولة مكشوفة للقضاء نهائياَ على القضية الفلسطينية وإجهاض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة ورفض التوطين وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس».

وأضاف بري في بيان: «الإدانة والشجب لمثل هذه الرغبات والمشاريع والنوايا على أهميتهما، لا يكفيان، فكما حذرنا في السابق نحذر اليوم، من أن فلسطين لم تكن في يوم من الأيام قضية عقارية كما يحلو للرئيس ترامب مقاربتها، وأن الدفاع عنها وعن حقوق الشعب الفلسطيني ليس دفاعاً عن جغرافيا أو عن شعب بعينه، إنما هو أولاً وأخيراً دفاع عن الأمن القومي العربي بدءاً من فلسطين مروراً إلى حدودها مع لبنان انطلاقاً من جنوبه وصولاً إلى الأردن وسوريا ومصر وليس انتهاء في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية وكل الوطن العربي من محيطه إلى خليجه».

وختم: «إذ نتضامن مع المملكة العربية السعودية ونثمن عالياً مواقف قيادتها الحاسمة والثابتة تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وكذلك مواقف الأشقاء في مصر والأردن، ندعو النظام الرسمي العربي والمجتمع الدولي إلى وقفة تاريخية عملية وجادة لمجابهة هذه المخططات بكافة السبل المشروعة والمتاحة حفاظاً على آخر ما تبقى من كرامة وسيادة واستقلال وهوية عربية فهل نحن فاعلون قبل فوات الأوان».

أخبار ذات صلة

0 تعليق